وَأَحْمَدَ، وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَرِوَايَةٌ عَنْهُ، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الظَّاهِرِيَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الرَّضَاعَ الْمُحَرِّمَ مَا كَانَ قَبْلَ الْفَطْمِ، فَإِنْ فُطِمَ الرَّضِيعُ، وَلَوْ قَبْلَ السَّنَتَيْنِ امْتَنَعَ تَأْثِيرُ رَضَاعِهِ، وَإِنِ اسْتَمَرَّ رَضَاعُهُ إِلَى مَا بَعْدَ السَّنَتَيْنِ، وَلَمْ يُفْطَمْ كَانَ رَضَاعُهُ مُحَرَّمًا، وَصَحَّ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ تَصِحَّ، وَقَالَ بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ الزُّهْرِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ عَلَى تَفْصِيلٍ لَهُ فِي الْفِطَامِ لِحَوْلٍ ثُمَّ الرَّضَاعِ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِي، قَالَ: إِنْ تَمَادَى فِيهِ كَانَ مُحَرِّمًا، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الرَّضَاعَ يُؤَثِّرُ فِي الصِّغَرِ دُونَ الْكِبَرِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا تَحْدِيدًا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ.
وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ إِلَى التَّحْرِيمِ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ كَانَ شَيْخًا، وَهَذَا مَذْهَبُ عَائِشَةَ، وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا، وَقَالَ بِهِ عُرْوَةُ، وَعَطَاءٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ سَعْدٍ، وَعُمْدَتُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ فِي وَاقِعَةِ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِعِدَّةِ أَلْفَاظٍ مُخْتَصَرَةٍ فِي مُسْلِمٍ، وَمُفَصَّلَةٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وَفِي التَّفْصِيلِ فَائِدَةٌ تُبَيِّنُ مَا فِي الْوَاقِعَةِ مِنَ الْإِجْمَالِ، وَتُجْلِي مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ فِيهَا، فَيُعْرَفُ أَمْثَلُهَا، وَهُوَ أَنَّ " أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ كَانَ تَبَنَّى سَالِمًا، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، فَكَانَ يُدْعَى ابْنَهُ، فَلَمَّا حَرَّمَ الْإِسْلَامُ التَّبَنِّيَ صَارَ سَالِمٌ أَجْنَبِيًّا مِنْ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فِرَاقُهُ، وَشَقَّ عَلَيْهِ وَصَارَ مِنَ الْحَرَجِ دُخُولُهُ عَلَى بَيْتِ أَبِي حُذَيْفَةَ كَمَا كَانَ يَدْخُلُ، وَامْرَأَتُهُ فِي مِهْنَتِهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْ إِبْدَاءِ شَيْءٍ مِنْ زِينَتِهَا الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِبْدَاءَاهَا لِغَيْرِ الْمَحَارِمِ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْأَلُهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، وَكَانَ يَأْوِي مَعِي، وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَيَرَانِي فَضْلًا (أَيْ فِي فَضْلِ الثِّيَابِ الَّتِي تُلْبَسُ وَقْتَ الشُّغْلِ، أَوِ النَّوْمِ) ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ؟ هَذَا سِيَاقُ أَبِي دَاوُدَ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهَا قَالَتْ: وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ تَعْنِي مِنْ حِلِّ دُخُولِهِ بَعْدَ تَحْرِيمِ التَّبَنِّي لَا مِنَ الرِّيبَةِ، وَسُوءِ الظَّنِّ فِي عِفَّتِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ مَكَانَ الِابْنِ مِنْ قُوَّةِ دِينِهِ، وَتَقْوَاهُ فِي
الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ هِيَ، وَهِيَ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْفَاضِلَاتِ. فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُرْضِعَهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا سَقَتْهُ لَبَنَهَا فِي إِنَاءٍ.
يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي مَعْنَاهُ مَا أَخَذَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ وَحَدِيثُ أَمِّ سَلَمَةَ الَّذِي صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ وَمَعْنَى " فِي الثَّدْيِ " فِي زَمَنِهِ أَيْ سِنِّ الرَّضَاعَةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute