للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ " يُرْوَى " أَنْشَرَ " بِالرَّاءِ أَيْ بَسْطَهُ، وَمَدَّهُ، وَأَنْشَزَ بِالزَّايِ وَمَعْنَاهُ رَفَعَهُ. وَبَسْطُ الْعِظَامِ وَارْتِفَاعُهَا كِلَاهُمَا يَكُونَانِ بِنُمُوِّهَا، وَالْكَبِيرُ لَا تَنْمُو عِظَامُهُ، وَتَرْتَفِعُ بِالرَّضَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْغَذَاءِ - وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَأَفْتَى بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ.

قَالَ بَعْضُ الذَّاهِبِينَ إِلَى عَدَمِ تَحْرِيمِ الرَّضَاعِ فِي الْكِبَرِ لَاسِيَّمَا بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ: إِنَّ حَدِيثَ سَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ مَنْسُوخٌ ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ حِينَ حُرِّمَ التَّبَنِّي، وَإِنْ خَفِيَ نَسْخُهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ خَاصٌّ بِسَالِمٍ، وَالتَّخْصِيصُ مَعْهُودٌ فِي كُلِّ الْحُكُومَاتِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْقَوَانِينِ وَيُسَمُّونَهُ الِاسْتِثْنَاءَ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ: لَيْسَ حَدِيثُ سَهْلَةَ بِمَنْسُوخٍ، وَلَا مَخْصُوصٍ بِسَالِمٍ، وَلَا عَامٍّ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ لِمَنْ كَانَ حَالُهُ مِثْلَ حَالِ سَالِمٍ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَهْلِهِ فِي عَدَمِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ دُخُولِهِ عَلَى أَهْلِهِ ; أَيْ مَعَ انْتِفَاءِ الرِّيبَةِ. وَمِثْلُ هَذِهِ الْحَاجَةِ تَعْرِضُ لِلنَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ كَرِيمٍ يَثِقُ رَبُّهُ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ مِنْ خَدَمِهِ قَدْ جَرَّبَ أَمَانَتَهُ، وَعِفَّتَهُ، وَصِدْقَهُ مَعَهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى إِدْخَالِهِ عَلَى امْرَأَتِهِ، أَوْ إِلَى جَعْلِهِ مَعَهَا فِي سَفَرٍ، فَإِذَا أَمْكَنَ صِلَتَهُ بِهِ، وَبِهَا بِجَعْلِهِ وَلَدًا لَهُمَا فِي الرَّضَاعَةِ بِشُرْبِ شَيْءٍ مِنْ لَبَنِهَا مُرَاعَاةً لِظَاهِرِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ مَعَ عَدَمِ الْإِخْلَالِ بِحِكْمَتِهَا أَلَا يَكُونَ أَوْلَى! بَلَى وَإِنَّ هَذَا اللَّبَنَ لَيُحْدِثُ فِي كُلٍّ مِنْهُمْ عَاطِفَةً جَدِيدَةً.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مُحَرَّمَاتُ الْمُصَاهَرَةِ، أَيِ الَّتِي تَعْرِضُ بِسَبَبِ الزَّوَاجِ، وَتَحْتَهُ الْأَنْوَاعُ الْآتِيَةُ قَالَ تَعَالَى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ يَدْخُلُ فِي الْأُمَّهَاتِ أُمُّ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ وَجَدَّاتُهَا، وَيَدْخُلُ فِي النِّسَاءِ مَنْ يَدْخُلُ بِهَا الرَّجُلُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، كَمَا تَدْخُلَ فِي مِثْلِ

قَوْلِهِ - تَعَالَى -: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [٢: ٢٢٣] وَقَوْلِهِ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [٢: ١٨٧] وَقَوْلِهِ: لَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [٢: ٢٣١] وَلَا قَوْلِهِ: لِلَّذِينِ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ [٢: ٢٢٦] لِأَنَّ الطَّلَاقَ، وَالْإِيلَاءَ خَاصٌّ بِالزَّوْجَاتِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي تَحْرِيمِ أُمِّ الْمَرْأَةِ دُخُولُهُ بِهَا ; لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَشْتَرِطِ الدُّخُولَ هُنَا كَمَا اشْتَرَطَهُ فِي بِنْتِهَا كَمَا يَأْتِي، وَهِيَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ تَكُونُ مِنْ نِسَائِهِ، وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ وَمِنْهُمْ أَئِمَّةُ الْفِقْهِ الْأَرْبَعَةِ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فَمَاتَتْ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا. وَأَمَّا الْمَمْلُوكَةُ فَلَا تُعَدُّ مِنْ نِسَائِهِ إِلَّا إِذَا اسْتَمْتَعَ بِهَا وَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>