للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْهَا جَرَيَانُ الْعَادَةِ بِالِاصْطِحَابِ وَالِارْتِبَاطِ، وَعَدَمِ إِمْكَانِ لُزُومِ السَّتْرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَارْتِبَاطُ الْحَاجَاتِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الطَّبِيعِيِّ دُونَ الصِّنَاعِيِّ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ تَجْرِ السُّنَّةُ بِقَطْعِ الطَّمَعِ عَنْهُنَّ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ لَهَاجَتْ مَفَاسِدُ لَا تُحْصَى، وَأَنْتَ تَرَى الرَّجُلَ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَتَوَلَّهُ بِهَا، وَيَقْتَحِمُ فِي الْمَهَالِكِ لِأَجْلِهَا، فَمَا ظَنُّكَ فِيمَنْ يَخْلُو مَعَهَا وَيَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَأَيْضًا لَوْ فُتِحَ بَابُ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ وَلَمْ يُسَدَّ، وَلَمْ تَقُمِ اللَّائِمَةُ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ عَلَيْهِنَّ، فَإِنَّهُ سَبَبُ عَضْلِهِمْ إِيَّاهُنَّ عَمَّنْ يَرْغَبْنَ فِيهِ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُ بِيَدِهِمْ أَمْرُهُنَّ وَإِلَيْهِمْ إِنْكَاحُهُنَّ، وَأَلَّا يَكُونَ لَهُمْ إِنْ نَكَحُوهُنَّ مَنْ يُطَالِبُهُمْ عَنْهُنَّ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ مَعَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِنَّ إِلَى مَنْ يُخَاصِمُ عَنْهُنَّ، وَنُظِرَ لِذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ عَضْلِهِمْ لِلْيَتَامَى الْغَنِيَّاتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ السُّورَةِ قَالَ:

" وَمِنْهَا الرَّضَاعَةُ، فَإِنَّ الَّتِي أَرْضَعَتْ تُشْبِهُ الْأُمَّ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا سَبَبُ اجْتِمَاعِ أَمْشَاجِ بِنْيَتِهِ وَقِيَامِ هَيْكَلِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْأُمَّ جَمَعَتْ خِلْقَتَهُ فِي بَطْنِهَا وَهَذِهِ دَرَّتْ عَلَيْهِ سَدَّ رَمَقِهِ مِنْ أَوَّلِ نَشْأَتِهِ، فَهِيَ أُمٌّ بَعْدَ الْأُمِّ وَأَوْلَادُهَا إِخْوَةٌ بَعْدَ الْإِخْوَةِ، وَقَدْ قَاسَتْ فِي حَضَانَتِهِ مَا قَاسَتْ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ حُقُوقِهَا مَا ثَبَتَ، وَقَدْ رَأَتْ مِنْهُ فِي صِغَرِهِ مَا رَأَتْ، فَيَكُونُ تَمَلُّكُهَا وَالْوُثُوبُ عَلَيْهَا مِمَّا تَمُجُّهُ الْفِطْرَةُ السَّلِيمَةُ، وَكَمْ مِنْ بَهِيمَةٍ عَجْمَاءَ لَا تَلْتَفِتُ إِلَى أُمِّهَا أَوْ إِلَى مُرْضِعَتِهَا هَذِهِ اللَّفْتَةَ، فَمَا ظَنُّكَ بِالرِّجَالِ!

" وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَسْتَرْضِعُونَ أَوْلَادَهُمْ فِي حَيٍّ مِنَ الْأَحْيَاءِ فَيَشُبُّ فِيهِمُ الْوَلَدُ وَيُخَالِطُهُمْ كَمُخَالَطَةِ الْمَحَارِمِ، وَيَكُونُ عِنْدَهُمْ لِلرَّضَاعَةِ لُحْمَةً كَلُحْمَةِ النَّسَبِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَالرَّضَاعَ الْمُحَرِّمَ وَكَوْنَ الْأَصْلِ فِي مِقْدَارِهِ عَشْرَ رَضَعَاتٍ، وَالْخُمْسَ لِلِاحْتِيَاطِ ".

قَالَ: " وَمِنْهَا الِاحْتِرَازُ عَنْ قَطْعِ الرَّحِمِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ، فَإِنَّ الضَّرَّتَيْنِ تَتَحَاسَدَانِ وَيَنْجَرُّ الْبُغْضُ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُمَا، وَالْحَسَدُ بَيْنَ الْأَقَارِبِ أَخْنَعُ وَأَشْنَعُ، وَقَدْ كَرِهَ

جَمَاعَاتٌ مِنَ السَّلَفِ ابْنَتَيِ الْعَمِّ وَالْخَالِ لِذَلِكَ، فَمَا بَالُكَ بِامْرَأَتَيْنِ أَيُّهُمَا فَرَضَ ذَكَرًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى كَالْأُخْتَيْنِ وَالْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مَا وَرَدَ فِي الْجَمْعِ:

قَالَ: " وَمِنْهَا الْمُصَاهَرَةُ فَإِنَّهُ لَوْ جَرَتِ السُّنَّةُ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمِّ رَغْبَةٌ فِي زَوْجِ ابْنَتِهَا، وَلِلرِّجَالِ فِي حَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ وَبَنَاتِ نِسَائِهِمْ، لَأَفْضَى إِلَى السَّعْيِ فِي فَكِّ ذَلِكَ الرَّبْطِ، أَوْ قَتْلِ مَنْ يَشِحُّ بِهِ، وَإِنْ أَنْتَ تَسَمَّعْتَ إِلَى قَصَصِ قُدَمَاءِ الْفَارِسِيِّينَ، وَاسْتَقْرَأْتَ حَالَ أَهْلِ زَمَانِكَ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَتَقَيَّدُوا بِهَذِهِ السُّنَّةِ الرَّاشِدَةِ، وَجَدْتَ أُمُورًا عِظَامًا وَمَهَالِكَ وَمَظَالِمَ لَا تُحْصَى، وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاصْطِحَابَ فِي هَذِهِ الْقَرَابَةِ لَازِمٌ، وَالسِّتْرَ مُتَعَذَّرٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>