وَالتَّحَاسُدَ شَنِيعٌ، وَالْحَاجَاتِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مُتَنَازِعَةٌ، فَكَأَنَّ أَمْرَهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ أَوْ بِمَنْزِلَةِ الْأُخْتَيْنِ ".
قَالَ: " وَمِنْهَا الْعَدَدُ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِحْسَانُ إِلَيْهِ فِي الْعِشْرَةِ الزَّوْجِيَّةِ "، وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ جَدِيدٍ فِي التَّعَدُّدِ إِلَّا قَوْلَهُ فِي بَيَانِ حِكْمَةِ الْأَرْبَعِ: " ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْبَعَ عَدَدٌ يُمْكِنُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، وَمَا دُونَ لَيْلَةٍ لَا يُفِيدُ فَائِدَةَ الْقَسْمِ، وَلَا يُقَالُ فِي ذَلِكَ: بَاتَ عِنْدَهَا، وَثَلَاثٌ أَوَّلُ حَدِّ الْكَثْرَةِ، وَمَا فَوْقَهَا زِيَادَةُ الْكَثْرَةِ، اهـ، وَقَدْ وَفَّيْنَا هَذَا الْمَقَامَ حَقَّهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ الَّتِي تُبِيحُ التَّعَدُّدَ مِنْ جـ ٤ ص ٢٨٢ وَمَا بَعْدَهَا ط الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ.
قَالَ: " وَمِنْهَا اخْتِلَافُ الدِّينِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا (٢: ٢٢١) ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مُفْسِدَةٌ لِلدِّينِ وَهِيَ تَخِفُّ فِي الْكِتَابِيَّةِ فَرَخَّصَ فِيهَا، وَتَقَدَّمَ إِيضَاحُ ذَلِكَ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ مُفَسِّرِي السَّلَفِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الْمُحَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ التَّنَاكُحُ مَعَهُمْ هُمُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُشْرِكَاتُ مِنَ الْعَرَبِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ حِكْمَةِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَكُونَ عَرَبُ الْجَزِيرَةِ كُلُّهُمْ مُسْلِمِينَ فَشَدَّدَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ مَا لَمْ يُشَدِّدْ فِي مُعَامَلَةِ غَيْرِهِمْ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْمَنَارِ.
قَالَ: " وَمِنْهَا كَوْنُ الْمَرْأَةِ أَمَةً لِآخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِينُ فَرْجِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَيِّدِهَا، وَلَا اخْتِصَاصُهُ بِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ التَّفْوِيضِ إِلَى دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُصَدَّ سَيِّدُهَا عَنِ اسْتِخْدَامِهَا وَالتَّخَلِّي بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَرْجِيحُ أَضْعَفِ الْمِلْكَيْنِ عَلَى أَقْوَاهُمَا، فَإِنَّ هُنَالِكَ مِلْكَيْنِ: مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَمِلْكَ الْبُضْعِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَقْوَى
الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْآخَرِ الْمُسْتَتْبِعُ لَهُ، وَالثَّانِي هُوَ الضَّعِيفُ الْمُنْدَرِجُ، وَفِي اقْتِضَابِ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى قَلْبُ الْمَوْضُوعِ، وَعَدَمُ الِاخْتِصَاصِ بِهَا، وَعَدَمُ إِمْكَانِ ذَبِّ الطَّامِعِ فِيهَا هُوَ أَصْلُ الزِّنَا، وَقَدِ اعْتَبَرَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ هَذَا الْأَصْلَ فِي تَحْرِيمِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي كَانَ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَامَلُونَهَا كَالِاسْتِبْضَاعِ كَمَا بَيَّنَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَإِذَا كَانَتْ فَتَاةً مُؤْمِنَةً بِاللهِ مُحَصِّنَةً فَرْجَهَا، وَاشْتَدَّتِ الْحَاجَةُ إِلَى نِكَاحِهَا لِمَخَافَةِ الْعَنَتِ، وَعَدَمِ طَوْلِ الْحُرَّةِ، خَفَّ الْفَسَادُ وَكَانَتِ الضَّرُورَةُ، وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ، انْتَهَى.
ثُمَّ ذَكَرَ كَوْنَ الْمَرْأَةِ مَشْغُولَةً بِنِكَاحِ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، وَقَالَ فِي حِكْمَتِهِ: " فَإِنَّ أَصْلَ الزِّنَا هُوَ الِازْدِحَامُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا، وَغَيْرِ قَطْعِ طَمَعِ الْآخَرِ فِيهَا ".
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَيْضًا بِمَا شَرَعَهُ لَكُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمُوَافِقَةِ لِمَصَالِحِكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ أَنْ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَيْ: طُرُقُهُمْ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَهِدَايَةِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ، كُلٌّ بِحَسَبِ حَالِ الِاجْتِمَاعِ فِي زَمَانِهِ، كَمَا قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute