آيَةِ الْوُضُوءِ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَإِنَّنِي لَمْ أَتَيَمَّمْ فِي سَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِي قَطُّ عَلَى أَنَّنِي وَجَدْتُ فِي بَعْضِهَا مَشَقَّةً مَا فِي الْوُضُوءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: التَّيَمُّمُ مِنَ الْجِرَاحِ وَالْبَرْدِ.
الْجِرَاحُ مِنَ الْمَرَضِ أَوْ فِي مَعْنَى الْمَرَضِ، فَهِيَ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوِ الْمَشَقَّةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَةِ
أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ فَشَتْ فِيهِمُ الْجِرَاحُ وَأَصَابَتْهُمُ الْجَنَابَةُ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فِيهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ قَالَ: " خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ، أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الزُّبَيْرُ بْنُ خِرْيَقٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى فِيهَا مَقَالٌ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: " أَنَّهُ لَمَّا بُعِثَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ فَقُلْتُ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٤: ٢٩) ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، قَالَ الْعُلَمَاءُ، إِنَّ ضَحِكَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَبْلَغُ فِي إِقْرَارِ ذَلِكَ مِنْ مُجَرَّدِ السُّكُوتِ عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ حُجَّةٌ، فَإِنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ، وَاشْتَرَطَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ الْعَجْزَ عَنْ تَسْخِينِ الْمَاءِ، وَلَوْ بِالْأُجْرَةِ وَعَنْ شِرَاءِ الْمَاءِ السَّاخِنِ بِالثَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: التَّيَمُّمُ كَالْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ وَقَبْلَهُ وَفِي اسْتِبَاحَةِ عِدَّةِ صَلَوَاتٍ بِهِ: لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الْوُضُوءِ فَكَانَ لَهُ حُكْمُهُ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَأَئِمَّةُ الْفِقْهِ الثَّلَاثَةُ وَالْعِتْرَةُ يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ، وَاسْتَدَلُّوا بِآيَةِ الْوُضُوءِ وَلَا دَلِيلَ فِيهَا، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: " جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ "، وَحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا " جُعِلَتِ الْأَرْضُ كُلُّهَا لِي وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ عِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَعِنْدَهُ طَهُورُهُ " رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَلَا دَلِيلَ فِيهِمَا، وَكَذَلِكَ
لَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّصِّ وَلَا نَصَّ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ هُوَ مِنَ الْفَلْسَفَةِ الْمَنْقُوضَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute