للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْهَا فِي سِفْرِ تَثْنِيَةِ الِاشْتِرَاعِ " ٣: ١٤ يَائِيرُ بْنُ مِنِسَّى أَخَذَ كُلَّ كَوْرَةِ أَرُجُوبَ إِلَى تَخَمِ الْجَشُورِيِّينَ وَالْمُعَكِيِّينَ وَدَعَاهَا عَلَى اسْمِهِ بَاشَانْ حَوَّوِثْ يَائِيرْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ " قَالَ هُورُونُ فِي الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ مِنْ تَفْسِيرِهِ بَعْدَ إِيرَادِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ وَالْفِقْرَةِ السَّابِقَةِ: " هَاتَانِ الْفِقْرَتَانِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَا مِنْ كَلَامِ مُوسَى (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِأَنَّ الْأُولَى دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مُصَنِّفَ هَذَا الْكِتَابِ ـ سِفْرِ التَّكْوِينِ أَوِ التَّوْرَاةِ كُلِّهَا ـ وُجِدَ بَعْدَ زَمَانٍ قَامَتْ فِيهِ سَلْطَنَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْفِقْرَةُ الثَّانِيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مُصَنِّفَهُ كَانَ بَعْدَ زَمَانِ إِقَامَةِ الْيَهُودِ فِي فِلَسْطِينَ " إِلَى آخِرِ مَا قَالَهُ، وَمِنْهُ أَنَّ هَاتَيْنِ الْفِقْرَتَيْنِ ثِقَلٌ عَلَى الْكِتَابِ وَلَا سِيَّمَا الثَّانِيَةُ.

وَقَدْ صَرَّحَ هَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرُونَ بِأَنَّ عِزْرَا الْكَاتِبَ قَدْ زَادَ بَعْضَ الْعِبَارَاتِ فِي التَّوْرَاةِ، وَصَرَّحُوا فِي بَعْضِهَا بِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَنْ زَادَهَا، وَلَكِنَّهُمْ يَجْزِمُونَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا كَتَبَهُ مُوسَى، وَكَثْرَةُ الْأَلْفَاظِ الْبَابِلِيَّةِ فِي التَّوْرَاةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كُتِبَتْ بَعْدَ سَبْيِ الْبَابِلِيِّينَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُنَالِكَ شَوَاهِدُ عَلَى تَحْرِيفِ سَائِرِ كُتُبِهِمْ تُرَاجَعُ فِي الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ لِبَيَانِ ذَلِكَ.

وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا أَيْ: وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْنَا قَوْلَكَ وَعَصَيْنَا أَمْرَكَ، رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا:

سَمِعْنَا قَوْلَكَ، وَلَكِنْ لَا نُطِيعُكَ، وَيَقُولُونَ لَهُ أَيْضًا: اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ هَذَا دُعَاءٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ زَادَهُ اللهُ تَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا، وَمَعْنَاهُ: لَا سَمِعْتَ أَوْ لَا أَسْمَعَكَ اللهُ، وَهَذَا فِي مَكَانِ الدُّعَاءِ الْمُعْتَادِ مِنَ الْمُتَأَدِّبِينَ لِلْمُخَاطَبِ: لَا سَمِعْتَ مَكْرُوهًا، أَوْ لَا سَمِعْتَ أَذًى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: غَيْرُ مَقْبُولٍ مَا تَقُولُ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَاسْمَعْ شَيْئًا لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسْمَعَ، وَأَمَّا " رَاعِنَا " فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَتَسَابُّونَ بِكَلِمَةِ " رَاعِينَا " الْعِبْرَانِيَّةِ أَوِ السُّرْيَانِيَّةِ فَسَمِعُوا بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: رَاعِنَا، مِنَ الْمُرَاعَاةِ أَوْ بِمَعْنَى أَرْعِنَا سَمْعَكَ فَافْتَرَصُوهَا وَصَارُوا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكَلِمَةِ وَيَصْرِفُونَهَا إِلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ: لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ فَيَجْعَلُونَهَا فِي الظَّاهِرِ رَاعِنَا وَبِلَيِّ اللِّسَانِ وَإِمَالَتِهِ " رَاعِينَا " يَنْوُونَ بِذَلِكَ الشَّتْمَ وَالسُّخْرِيَةَ، أَوْ جَعْلَهُ رَاعِيًا مِنْ رِعَاءِ الشَّاءِ، أَوْ مِنَ الرَّعَنِ وَالرُّعُونَةِ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ: (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ جَاءُوا بِالْقَوْلِ الْمُحْتَمَلِ ذِي الْوَجْهَيْنِ بَعْدَ مَا صَرَّحُوا، وَقَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ (قُلْتُ) : جَمِيعُ الْكَفَرَةِ كَانُوا يُوَاجِهُونَهُ بِالْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ وَلَا يُوَاجِهُونَهُ بِالسَّبِّ وَدُعَاءِ السُّوءِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولُوهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَجُوزُ أَلَّا يَنْطِقُوا بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا جَعَلُوا كَأَنَّهُمْ نَطَقُوا بِهِ اهـ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا (٢: ١٠٤) ، مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَبَيَّنَّا هُنَالِكَ أَنَّ الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ لَمْ يَرْتَضِ مَا قَالُوهُ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ سَبًّا بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَاخْتَارَ فِي تَعْلِيلِ النَّهْيِ عَنْهَا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مِنَ الْمُرَاعَاةِ، وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ ـ نُهُوا عَنْهَا تَأْدِيبًا لَهُمْ، إِذْ لَا يَلِيقُ أَنْ يَقُولُوا لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ:

<<  <  ج: ص:  >  >>