فِي أَتْبَاعِهِ مَنْ هُوَ حَسَنُ النِّيَّةِ، كَمَا كَانَ فِيهِمْ مُحِبُّ الْفِتْنَةِ، وَمَنْ قَالَ فِيهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: " أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ "، وَلَوْ كَانَتِ الْبَيْعَةُ فِي عُنُقِهِ لَمَا كَانَ ثَمَّ مَجَالٌ لِاشْتِبَاهِ مَنْ كَانَ مُخْلِصًا فِي أَمْرِهِ.
وَأَمَّا الْقَضَاءُ فَكَانُوا يَجْمَعُونَ لَهُ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ وَرُؤَسَاءِ النَّاسِ، فَيَأْخُذُونَ بِرَأْيِهِمْ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ.
رَوَى الدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: " كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ خَصْمٌ نَظَرَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ مَا يَقْضِي بِهِ قَضَى بِهِ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللهِ نَظَرَ هَلْ كَانَتْ مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِيهِ سُنَّةٌ، فَإِنْ عَلِمَهَا قَضَى بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهَا خَرَجَ فَسَأَلَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: أَتَانِي كَذَا وَكَذَا فَنَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللهِ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَلَمْ أَجِدْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَضَى فِي ذَلِكَ بِقَضَاءٍ؟ فَرُبَّمَا قَامَ إِلَيْهِ الرَّهْطُ، فَقَالُوا: نَعَمْ قَضَى فِيهِ بِكَذَا وَكَذَا، فَيَأْخُذُ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَلِكَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِينَا مَنْ يَحْفَظُ عَنْ نَبِيِّنَا، وَإِنْ أَعْيَاهُ ذَلِكَ دَعَا رُءُوسَ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاءَهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ، فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَمْرٍ قَضَى بِهِ، وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَفْعَلُ
ذَلِكَ، فَإِنْ أَعْيَاهُ أَنْ يَجِدَ شَيْئًا فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ نَظَرَ هَلْ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ فِيهِ قَضَاءٌ فَإِنْ وَجَدَهُ قَضَى بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ دَعَا رُءُوسَ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاءَهُمْ وَاسْتَشَارَهُمْ فَإِذَا اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَمْرٍ قَضَى بِهِ "، فَلْيَتَأَمَّلِ الْفَقِيهُ تَفْرِقَةَ أَبِي بَكْرٍ بَيْنَ مَنْ يُسْأَلُ عَنِ الرِّوَايَةِ لِقَضَاءِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَبَيْنَ مَنْ يُسْتَشَارُ فِي وَضْعِ حُكْمٍ جَدِيدٍ أَوِ اسْتِنْبَاطِهِ، فَأَمَّا الرِّوَايَةُ فَكَانَ يَسْأَلُ عَنْهَا عَامَّةَ النَّاسِ، وَأَمَّا الِاسْتِشَارَةُ فَكَانَ يَجْمَعُ لَهَا الرُّءُوسَ وَالْعُلَمَاءَ وَهُمْ أُولُو الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالرَّدِّ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّاوِي مَا كَانَ يَعْمَلُ الْخَلِيفَتَانِ إِذَا اخْتَلَفَ أُولَئِكَ الْمُسْتَشَارُونَ فِي الْقَضِيَّةِ.
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " أَنِ اقْضِ بِمَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ كِتَابِ اللهِ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كُلَّ كِتَابِ اللهِ فَاقْضِ بِمَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كُلَّ أَقْضِيَةِ رَسُولِ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَاقْضِ بِمَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنْ أَمْرِ الْأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كُلَّ مَا قَضَتْ بِهِ الْأَئِمَّةُ فَاجْتَهِدْ رَأْيَكَ وَاسْتَشِرْ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ " اهـ، وَالرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ، وَفِيهَا مِنَ الْغَرَابَةِ لَفْظُ الْأَئِمَّةِ وَلَمْ يَكُنْ وَقْتَئِذٍ أَئِمَّةٌ مُتَعَدِّدُونَ يُعْتَمَدُ عَلَى قَضَائِهِمْ لِبِنَائِهِ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَأَبُو سَعِيدٍ فِي الْقَضَاءِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ عَرَضَ لِي أَمْرٌ لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ قَضَاءٌ فِي أَمْرِهِ وَلَا سُنَّةٌ كَيْفَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: تَجْعَلُونَهُ شُورَى بَيْنَ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعَابِدِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا تَقْضِ فِيهِ بِرَأْيِكَ خَاصَّةً، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: " تَجْعَلُونَهُ " وَالْعَدْلُ بِهِ عَنْ " تَجْعَلُهُ " ـ وَالْخِطَابُ لِلْمُفْرَدِ ـ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْجَعْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute