أَوْ " وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ بِكَسْرِهِمَا، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ، فَأَمَّا الْكَسْرُ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ عِنْدَ النُّحَاةِ، وَأَمَّا الضَّمُّ فَإِجْرَاؤُهُمَا مَجْرَى الْهَمْزَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْفِعْلِ تُنْقَلُ حَرَكَةُ مَا بَعْدَهَا إِلَيْهَا، وَأَمَّا قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو فَجَمَعَ بَيْنَ طَرِيقَتَيِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّلْفِيقِ، وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: مَا فَعَلُوهُ يَعُودُ ضَمِيرُهُ إِلَى الْقَتْلِ وَالْخُرُوجِ، وَأَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْفِعْلَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، أَوْ بِتَأْوِيلِ مَا ذُكِرَ.
وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا، " إِذًا " حَرْفُ جَوَابٍ وَجَزَاءٍ، وَلِذَلِكَ ذُكِرَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّهَا هُنَا جَوَابٌ لِسُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: مَاذَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْخَيْرِ الْعَظِيمِ وَالتَّثْبِيتِ؟ فَأُجِيبُ: هُوَ أَنْ نُؤْتِيَهُمْ أَيْ: نُعْطِيَهُمْ أَجْرًا عَظِيمًا، إِلَخْ.
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا قِيلَ: إِنَّ هَذَا الصِّرَاطَ عِبَارَةٌ عَنْ دِينِ الْحَقِّ، وَقِيلَ: هُوَ مَوْطِنٌ مِنْ مَوَاطِنِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُنَا هُوَ طَرِيقُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ.
وَأَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْهِدَايَةَ هِيَ الْهِدَايَةُ الرَّابِعَةُ الَّتِي شَرَحَهَا الْأُسْتَاذُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، وَالصِّرَاطُ هُنَا: هُوَ الصِّرَاطُ هُنَاكَ، صِرَاطُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ.
وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا.
الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ هُوَ الصِّرَاطُ الَّذِي سَارَ عَلَيْهِ عِبَادُ اللهِ الْمُصْطَفَوْنَ الْأَخْيَارُ، الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ، وَعَمَلِ الْخَيْرَاتِ وَاجْتِنَابِ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَهُمُ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ فِي قَوْلِهِ: وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ إِلَخْ، وَكَانَ الظَّاهِرُ بَادِيَ الرَّأْيِ أَنْ يُقَالَ: وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، صِرَاطَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، أَوْ فَكَانُوا مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، أَوْ مَا هُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَكِنْ أُعِيدَ ذِكْرُ طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ الْمُرَادُ فِي السِّيَاقِ، الَّذِي تَكُونُ سَعَادَةُ صُحْبَةِ مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ جَزَاءً لَهُ، أَيْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يُطِيعُ اللهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَيَّنِ فِي الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ إِلَى قَوْلِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute