الْحَرْبِ، وَالَّذِينَ مَنَعُوا الزَّكَاةَ كَانُوا مُفَرِّقِينَ لِجَمَاعَةِ الْإِسْلَامِ نَاثِرِينَ لِنِظَامِهِمْ، وَالرَّجُلُ الْوَاحِدُ إِذَا مَنَعَ الزَّكَاةَ لَا يُقْتَلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْمُنَافِقِينَ هُنَا الْعُرَنِيُّونَ، فَفِيهِ أَنَّ قَتْلَ الْعُرَنِيِّينَ كَانَ لِمُخَادَعَتِهِمْ وَغَدْرِهِمْ وَقَتْلِهِمْ رَاعِيَ الْإِبِلِ الَّتِي أَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَمْثِيلُهُمْ بِهِ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَاهٍ جِدًّا لِأَنَّ الْعُرَنِيِّينَ لَا يَأْتِي فِيهِمُ التَّفْصِيلُ الَّذِي فِي الْآيَاتِ، وَلَكِنْ مَنْ هُمْ هَؤُلَاءِ؟
رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ الْمُدْلَجِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: " لَمَّا ظَهَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَأَسْلَمَ مَنْ حَوْلَهُمْ قَالَ سُرَاقَةُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى قَوْمِي مِنْ بَنِي مُدْلَجٍ فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: أَنْشُدُكَ النِّعْمَةَ، فَقَالُوا: مَهْ، فَقَالَ: دَعُوهُ، مَا تُرِيدُ؟ قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَبْعَثَ إِلَى قَوْمِي، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ تُوادِعَهُمُ فَإِنْ أَسْلَمَ قَوْمُكَ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِمُوا لَمْ تَخْشَ بِقُلُوبِ قَوْمِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَدِ خَالِدٍ فَقَالَ: " اذْهَبْ مَعَهُ فَافْعَلْ مَا يُرِيدُ " فَصَالَحَهُمْ خَالِدٌ عَلَى أَلَّا يُعِينُوا
عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ أَسْلَمُوا مَعَهُمْ، وَمَنْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّاسِ كَانَ لَهُمْ مِثْلَ عَهْدِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ - تَعَالَى -: وَدُّوا حَتَّى بَلَغَ، إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ، فَكَأَنَّ مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ كَانُوا مَعَهُمْ عَلَى عَهْدِهِمْ، انْتَهَى مِنْ لُبَابِ النُّقُولِ، وَعَزَا الْأَلُوسِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إِلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ فِي هِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيِّ وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ وَخُزَيْمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، انْتَهَى مِنْ تَفْسِيرِهِ، وَعَزَا السُّيُوطِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي اللُّبَابِ إِلَى ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ فَقَطْ، ثُمَّ قَالَ: وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي هِلَالِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيِّ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ وَقَصَدَهُ نَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ فَكَرِهَ أَنْ يُقَاتِلَ الْمُسْلِمِينَ وَكَرِهَ أَنْ يُقَاتِلَ قَوْمَهُ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ تَبَعًا لِلْكَشَّافِ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَادَعَ وَقْتَ خُرُوجِهِ إِلَى مَكَّةَ هِلَالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيَّ عَلَى أَلَّا يَعْصِيَهُ وَلَا يُعِينَ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَلَ إِلَى هِلَالٍ وَلَجَأَ إِلَيْهِ فَلَهُ مِنَ الْجِوَارِ مِثْلُ مَا لِهِلَالٍ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا تَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَةِ الْأُولَى صَحِيحَةُ السَّنَدِ وَضَعِيفَتُهُ، وَتُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي كَوْنِ الْمُنَافِقِينَ فِي هَذَا السِّيَاقِ هُمُ الْمُنَافِقِينَ فِي الْعَهْدِ وَالْوَلَاءِ.
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ هَؤُلَاءِ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَهْتَدُوا بِالْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَتَصَدُّوا إِلَى مُجَالَدَةِ أَهْلِهِ بِحَدِّ الْحُسَامِ، فَكَانُوا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute