للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْجِهَادِ أَوْ هَاجَرَ فِي سَبِيلِ اللهِ إِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ وَخَافَ أَنْ يُفْتَنَ عَنْهَا، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ مِنْهَا وَأَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَتَهَا بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ.

قَالَ: وَالْقَصْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الْأَوْلَى هُنَا لَيْسَ هُوَ قَصْرُ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ فِي السَّفَرِ الْمُبَيَّنِ بِشُرُوطِهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، فَذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَأَمَّا مَا هُنَا فَهُوَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ كَمَا وَرَدَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ السَّلَفِ، وَالشَّرْطُ فِيهَا عَلَى ظَاهِرِهِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ

فَلَا مَفْهُومَ لَهُ لَغْوٌ مِنَ الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي أَغْلَى الْكَلَامِ وَأَبْلَغِهِ، فَهَذَا الْقَصْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الْأَوْلَى هُوَ الْمُبَيَّنُ فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا (٢: ٢٣٩) ، فَآيَةُ الْبَقَرَةِ فِي الْقَصْرِ مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ، وَالرُّخْصَةُ فِي عَدَمِ إِقَامَةِ صُورَتِهَا بِأَنْ يَكْتَفِيَ الرِّجَالُ الْمُشَاةُ وَالرُّكْبَانُ بِالْإِيمَاءِ عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْقَصْرِ الْمُرَادِ، وَالْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا فِي الْقَصْرِ مِنْ عَدَدِ رَكَعَاتٍ بِأَنْ تُصَلِّي طَائِفَةٌ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى - وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُ الْأُولَى، فَصَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنْ وَاحِدَةً مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ تُتِمُّ الصَّلَاةَ اهـ، مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الدَّرْسِ مُلَخَّصًا.

وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ فَقَدْ لَخَّصَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ أَحْسَنَ تَلْخِيصٍ، وَنَاهِيكَ بِسِعَةِ حَفْظِهِ وَحُسْنِ اسْتِحْضَارِهِ وَبَيَانِهِ، قَالَ فِي بَيَانِ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّفَرِ، وَعِبَارَتُهُ فِيهِ مَا نَصُّهُ:

" وَكَانَ يَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مُسَافِرًا إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَمَّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي سَفَرِهِ أَلْبَتَّةَ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ، فَلَا يَصِحُّ، وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ يَقُولُ: هُوَ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى.

وَقَدْ رُوِيَ: كَانَ يَقْصُرُ وَتُتِمُّ الْأَوَّلُ بِالْيَاءِ آخِرُ الْحُرُوفِ وَالثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ، وَكَذَلِكَ " يُفْطِرُ وَتَصُومُ " أَيْ: تَأْخُذُ هِيَ بِالْعَزِيمَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.

قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ تَيْمِيَةَ: وَهَذَا بَاطِلٌ، مَا كَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لِتُخَالِفَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمِيعَ أَصْحَابِهِ فَتُصَلِّيَ خِلَافَ صَلَاتِهِمْ، وَالصَّحِيحُ عَنْهَا: أَنَّ اللهَ فَرَضَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى الْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَا مَعَ ذَلِكَ أَنْ تُصَلَّيَ بِخِلَافِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ مَعَهُ؟

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ " قُلْتُ ": وَقَدْ أَتَمَّتْ عَائِشَةُ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: إِنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ، وَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْصُرُ دَائِمًا، فَرَكَّبَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ حَدِيثًا، وَقَالَ: فَكَانَ يَقْصُرُ وَتُتِمُّ هِيَ، فَغَلِطَ بَعْضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>