للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَنْصُرُونَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِعْدَادِ الثَّوَابِ وَالرِّضْوَانِ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَهُ مَا دَامُوا مُهْتَدِينَ بِكِتَابِهِ، جَارِينَ عَلَى سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ، وَبِأَلْسِنَتِكُمْ بِالْحَمْدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ، اذْكُرُوهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ تَكُونُونَ عَلَيْهَا مِنْ قِيَامٍ فِي الْمُسَايَفَةِ وَالْمُقَارَعَةِ، وَقُعُودٍ لِلرَّمْيِ أَوِ الْمُصَارَعَةِ، وَاضْطِجَاعٍ مِنَ الْجِرَاحِ أَوِ الْمُخَادَعَةِ، لِتَقْوَى قُلُوبُكُمْ وَتَعْلُوَ هِمَمُكُمْ، وَتَحْتَقِرُوا مَتَاعِبَ الدُّنْيَا وَمَشَاقِّهَا فِي سَبِيلِهِ فَهَذَا مِمَّا يُرْجَى بِهِ الثَّبَاتُ وَالصَّبْرُ، وَمَا يَعْقُبُهُمَا مِنَ الْفَلَاحِ وَالنَّصْرِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ: إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٨: ٤٥) .

وَإِذَا كُنَّا مَأْمُورِينَ بِالذِّكْرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ نَكُونُ عَلَيْهَا فِي الْحَرْبِ كَمَا يُعْطِيهِ السِّيَاقُ، فَأَجْدَرُ بِنَا أَنْ نُؤْمَرَ بِذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ السِّلْمِ كَمَا يُعْطِيهِ الْإِطْلَاقُ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي حَرْبٍ

دَائِمَةٍ وَجِهَادٍ مُسْتَمِرٍّ، تَارَةً يُجَاهِدُ الْأَعْدَاءَ، وَتَارَةً يُجَاهِدُ الْأَهْوَاءَ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْعُقَلَاءَ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ (٣: ١٩١) ، وَأَمَرَهُمْ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ، وَذَكَرَ اللهُ أَعْوَانَ مَا يُعِينُ عَلَى تَرْبِيَةِ النَّفْسِ وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ الْغَافِلُونَ، رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: لَا يَفْرِضُ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ فَرِيضَةً إِلَّا جَعَلَ لَهَا جَزَاءً مَعْلُومًا ثُمَّ عَذَرَ أَهْلَهَا فِي حَالِ عُذْرٍ، غَيْرَ الذِّكْرِ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا فِي تَرْكِهِ، إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ، فَقَالَ: فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَفِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالسَّقَمِ وَالصِّحَّةِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ.

فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ أَيْ: فَإِذَا اطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُكُمْ بِالْأَمْنِ وَزَالَ خَوْفُكُمْ مِنَ الْعَدُّوِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، أَيِ ائْتُوا بِهَا مَقُومَةً تَامَّةَ الْأَرْكَانِ وَالْحُدُودِ وَالْآدَابِ، لَا تُقَصِّرُوا مِنْ هَيْئَتِهَا كَمَا أَذِنَ لَكُمْ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الْخَوْفِ، وَلَا مِنْ رَكَعَاتِهَا وَنِظَامِ جَمَاعَتِهَا كَمَا أَذِنَ لَكُمْ فِي حَالٍ أُخْرَى مِنْهَا، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالِاطْمِئْنَانِ الِاسْتِقْرَارُ فِي دَارِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ انْتِهَاءِ السَّفَرِ لِأَنَّهُ مَظَنَّتُهُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ مُقَابِلًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُكْمِ الْقَصْرِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ إِذَا عَرَضَ الْخَوْفُ، وَمِنْ كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَالْمُرَادُ بِالِاطْمِئْنَانِ فِيهِ مَا يُقَابِلُ السَّفَرَ وَالْخَوْفَ جَمِيعًا، كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ مَا يُقَابِلُ الْقَصْرَ مِنْهَا بِنَوْعَيْهِ: الْقَصْرُ مِنْ هَيْئَتِهَا وَحُدُودِهَا، وَالْقَصْرُ مِنْ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ تُقَابِلُهُ الْإِقَامَةُ، وَلَمْ يَقُلْ فَإِذَا أَقَمْتُمْ، وَالْخَوْفُ يُقَابِلُهُ الْأَمْنُ كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (١٠٦: ٤) ، وَلَمْ يَقُلْ هُنَا فَإِذَا أَمِنْتُمْ، وَمَعْنَى الِاطْمِئْنَانِ السُّكُونُ بَعْدَ اضْطِرَابٍ وَانْزِعَاجٍ فَهُوَ يُقَابِلُ كُلًّا مِنَ الْخَوْفِ وَالسَّفَرِ مُجْتَمِعَيْنِ وَمُنْفَرِدَيْنِ، إِذْ يَصْدُقُ عَلَى مَنْ زَالَ خَوْفُهُ فِي سَفَرِهِ أَنَّهُ اطْمَأَنَّ نَوْعًا مِنَ الِاطْمِئْنَانِ، كَمَا يَصْدُقُ عَلَى مَنِ انْتَهَى سَفَرُهُ وَاسْتَقَرَّ فِي وَطَنِهِ أَنَّهُ اطْمَأَنَّ نَوْعًا مِنَ الِاطْمِئْنَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>