للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا الْمَعْنَى يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْآيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَرَدَتَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَا صَلَاةِ السَّفَرِ، سَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ قَدْ ثَبَتَ الْقَصْرُ فِيهَا بِالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ،

وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمَغْرِبَ فَقَطْ فَإِنَّهَا ثَلَاثٌ، وَمَعَ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُمَا جَامِعَتَانِ لِصَلَاةِ السَّفَرِ بِقَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ فِيهِ، وَلِصَلَاةِ الْخَوْفِ بِأَنْوَاعِهَا، وَمِنْهَا مَا تَكُونُ فَرِيضَةُ الْمَأْمُومِ فِيهَا رَكْعَةً وَاحِدَةً وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِالْإِيمَاءِ، سَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ فِي اشْتِرَاطِ الْخَوْفِ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَفْهُومًا أَوْ جَعَلَ مَفْهُومَهُ مَنْسُوخًا، وَمَنْ فَصَلَ فَجَعَلَ شَرْطَ السَّفَرِ خَاصًّا بِقَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى ثِنْتَيْنِ وَشَرْطَ الْخَوْفِ خَاصًّا بِقَصْرِهَا إِلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوِ الْقَصْرِ مِنْ هَيْئَتِهَا وَأَرْكَانِهَا.

وَذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ بِمَعْنَى آيَةِ الْبَقَرَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَجَعَلَ قَضَاءَ الصَّلَاةِ فِيهَا عِبَارَةً عَنْ أَدَائِهَا، وَالذِّكْرُ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ، وَالْمَعْنَى: فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فِي حَالِ الْخَوْفِ وَالْقِتَالِ فَصَلُّوا قِيَامًا مُسَايِفِينَ وَمُقَارِعِينَ، وَقُعُودًا جَاثِينَ عَلَى الرُّكَبِ مُرَامِينَ، وَعَلَى جُنُوبِكُمْ مُثْخَنِينَ بِالْجِرَاحِ، وَفَسَّرَ الِاطْمِئْنَانَ بِالْأَمْنِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ بِقَضَاءِ مَا صَلَّى بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ، أَيِ الْقَضَاءِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي الْفِقْهِ وَهُوَ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتِهَا، وَجَعَلَ الْآيَةَ بِهَذَا حُجَّةً لِلشَّافِعِيِّ فِي إِيجَابِهِ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي حَالِ الْقِتَالِ فِي الْمَعْرَكَةِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ ثُمَّ قَضَائَهَا فِي وَقْتِ الْأَمْنِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يُجِيزُ تَرْكَ الصَّلَاةِ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَتَأْخِيرَهَا إِلَى أَنْ يَطْمَئِنَّ، وَقَدْ خَرَجَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِهَذَا عَنِ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ مِنَ اسْتِعْمَالِ لَفْظَيِ الْقَضَاءِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي الْقُرْآنِ، وَهُوَ الدَّقِيقُ فِي فَهْمِ اللُّغَةِ وَتَفْسِيرِ أَكْثَرِ الْآيَاتِ بِمَا يُفْصِحُ عَنْهُ صَمِيمُهَا الْمَحْضُ، أُسْلُوبُهَا الْغَضُّ فَسُبْحَانَ الْمُنَزَّهِ عَنِ الذُّهُولِ وَالسَّهْوِ.

إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا هَذَا تَذْيِيلٌ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ حَتَّى فِي وَقْتِ الْخَوْفِ وَلَوْ مَعَ الْقَصْرِ مِنْهَا، أَيْ: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ فِي حُكْمِ اللهِ وَمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ فِي هِدَايَةِ عِبَادِهِ كِتَابًا، أَيْ: فَرْضًا مُؤَكَّدًا ثَابِتًا ثُبُوتَ الْكِتَابِ فِي اللَّوْحِ أَوِ الطِّرْسِ، مَوْقُوتًا، أَيْ: مُنَجَّمًا فِي أَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهَا فِيهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَأَنَّ أَدَاءَهَا فِي أَوْقَاتِهَا مَقْصُورًا مِنْهَا بِشَرْطِهِ خَيْرٌ مِنْ تَأْخِيرِهَا لِقَضَائِهَا تَامَّةً، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ فِي بَحْثِ حِكْمَةِ التَّوْقِيتِ، رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا كَوَقْتِ الْحَجِّ "، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ مَوْقُوتًا مُنَجَّمًا، كُلَّمَا مَضَى نَجْمٌ جَاءَ نَجْمٌ، قَالَ: يَقُولُ: كُلَّمَا مَضَى وَقْتٌ جَاءَ وَقْتٌ آخَرُ اهـ، يُقَالُ: وَقَتَ الْعَمَلَ يَقِتُهُ كَوَعَدَهُ يَعِدُهُ، وَوَقَّتَهُ تَوْقِيتًا إِذَا جَعَلَ لَهُ

وَقْتًا يُؤَدَّى فِيهِ، وَيُقَالُ: أَقَّتَهُ أَيْضًا بِالْهَمْزَةِ بَدَلًا مِنَ الْوَاوِ، كَمَا يُقَالُ: وَكَّدْتُ الشَّيْءَ تَوْكِيدًا وَأَكَّدْتُهُ تَأْكِيدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>