للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ، وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ إِيفَاؤُهَا حَقَّهَا وَأَلَّا يُنْقِصَ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يُصَالِحَهَا بِمَالٍ يَبْذُلُهُ لَهَا بَدَلًا مِنْ لَيَالِيهَا، وَرَضِيَتْ بِذَلِكَ جَازَ لَهُمَا، وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيهِ كَمَا لَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِنْ صُوَرِ الصُّلْحِ، فَإِنَّ الْمَقْصِدَ هُوَ التَّرَاضِي وَالْمُعَاشَرَةُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ التَّسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ، مِنَ التَّسْرِيحِ وَالْفِرَاقِ، وَإِنْ كَانَ بِإِحْسَانٍ وَأَدَاءِ الْمَهْرِ وَالْمُتْعَةِ وَحِفْظِ الْكَرَامَةِ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُطَلَّقِ ; لِأَنَّ رَابِطَةَ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ أَعْظَمِ الرَّوَابِطِ وَأَحَقِّهَا بِالْحِفْظِ، وَمِيثَاقَهَا مِنْ أَغْلَظِ الْمَوَاثِيقِ وَأَجْدَرِهَا بِالْوَفَاءِ، وَعُرُوضُ الْخِلَافِ وَالْكَرَاهَةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ النُّشُوزِ وَالْإِعْرَاضِ وَسُوءِ الْمُعَاشَرَةِ لِمَنْ يَقِفُ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ مِنَ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ زَوَالُهَا مِنْ بَيْنِ الْبَشَرِ، وَالشَّرِيعَةُ الْعَادِلَةُ الرَّحِيمَةُ هِيَ الَّتِي تُرَاعَى فِيهَا السُّنَنُ الطَّبِيعِيَّةُ وَالْوَقَائِعُ الْفِعْلِيَّةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي ذَلِكَ أَكْمَلُ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْإِسْلَامُ ; فَإِنَّهُ جَعَلَ الْقَاعِدَةَ الْأَسَاسِيَّةَ هِيَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْقِيَامَ بِرِيَاسَةِ الْأُسْرَةِ وَالْقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِهَا لِأَنَّهُ أَقْوَى بَدَنًا وَعَقْلًا وَأَقْدَرُ عَلَى الْكَسْبِ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ قَالَ: وَلَهُنَّ

مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (٢: ٢٢٨) ، وَهَذِهِ الدَّرَجَةُ هِيَ الَّتِي بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ (٤: ٣٤) ، وَفَرَضَ عَلَيْهِمُ الْعَدْلَ وَالْإِحْسَانَ فِي هَذِهِ الرِّيَاسَةِ، فَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ وَرَاءَ النَّفَقَةِ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ يُعَاشِرَهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْ يُحَصِّنَهَا وَيُعِفَّهَا وَيُحَصِّنَ نَفْسَهُ وَيُعِفَّهَا بِهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا ضُرَّةً شَرِيكَةً فِي ذَلِكَ إِلَّا إِذَا وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الِاجْتِمَاعِ وَلَا سِيَّمَا فِي أَزْمِنَةِ الْحُرُوبِ الَّتِي يَقِلُّ فِيهَا الرِّجَالُ، وَتَكْثُرُ النِّسَاءُ كَمَا بَيَّنَّا كُلَّ ذَلِكَ بِالتَّفْصِيلِ فِي مَحَلِّهِ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَوْ فَعَلَهُ أَوْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا النُّفُورُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَيَجِبُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَحَرَّى الْعَدْلَ وَالْمَعْرُوفَ، فَإِنْ خَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَعَلَى الَّذِي يُرِيدُ مِنْهُمَا أَنْ يَخْلُصَ مِنَ الْآخَرِ أَنْ يَسْتَرْضِيَهُ، وَكَمَا جَعَلَ اللهُ الطَّلَاقَ لِلرَّجُلِ لِأَنَّهُ أَحْرَصُ عَلَى عِصْمَةِ الزَّوْجِيَّةِ، لِمَا تَكَلَّفَهُ مِنَ النَّفَقَةِ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ طَاعَةِ الِانْفِعَالِ الْعَارِضِ، جَعَلَ لِلْمَرْأَةِ حَقَّ الْفَسْخِ إِذَا لَمْ يَفِ بِحُقُوقِهَا مِنَ النَّفَقَةِ وَالْإِحْصَانِ، وَقِيلَ: إِنَّ كَلِمَةَ خَيْرٌ لَيْسَتْ لِلتَّفْضِيلِ وَإِنَّمَا هِيَ لِبَيَانِ خَيْرِيَّةِ الصُّلْحِ فِي نَفْسِهِ.

وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ، بَيَّنَ لَنَا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ السَّبَبَ الَّذِي قَدْ يَحُولُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ الصُّلْحِ الَّذِي فِيهِ الْخَيْرُ وَحَسْمُ مَادَّةِ الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ، لِأَجْلِ أَنْ نَتَّقِيَهُ وَنُجَاهِدَ أَنْفُسَنَا فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الشُّحُّ وَمَعْنَاهُ الْبُخْلُ النَّاشِئُ عَنِ الْحِرْصِ، وَمَعْنَى إِحْضَارِهِ الْأَنْفُسَ أَنَّهَا عُرْضَةٌ لَهُ، فَإِذَا جَاءَ مُقْتَضَى الْبَذْلِ أَلَمَّ بِهَا وَنَهَاهَا أَنْ تَبْذُلَ مَا يَنْبَغِي بَذْلُهُ لِأَجْلِ الصُّلْحِ وَإِقَامَةِ الْمَصْلَحَةِ ; فَالنِّسَاءُ حَرِيصَاتٌ عَلَى حُقُوقِهِنَّ فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>