للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(عَقِيدَةُ الصَّلْبِ وَالْفِدَاءِ وَثَنِيَّةٌ) اعْتَرَفَ أَمَامَنَا كَثِيرٌ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُمْ نَصَارَى، بِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ، وَعَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ لَا تُعْقَلُ، وَأَنَّ الْعُمْدَةَ عِنْدَهُمُ النَّقْلُ عَنْ كُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ، فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْكُتُبُ ثَابِتَةً عِنْدَهُمْ وَجَبَ أَنْ يَقْبَلُوا جَمِيعَ مَا فِيهَا، سَوَاءٌ عُقِلَ أَمْ لَمْ يُعْقَلْ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ كُلَّ دِينٍ مِنَ الْأَدْيَانِ فِيهِ عَقَائِدُ وَأَخْبَارٌ يَجْزِمُ الْعَقْلُ بِاسْتِحَالَتِهَا، وَلَكِنَّهَا تُؤْخَذُ بِالتَّسْلِيمِ.

وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ فِي عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ شَيْءٌ يَحْكُمُ الْعَقْلُ بِاسْتِحَالَتِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَخْبَارٌ عَنْ عَالَمِ الْغَيْبِ لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِمَعْرِفَتِهَا ; لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى ذَلِكَ الْعَالَمِ، وَلَكِنَّهَا كُلَّهَا

مِنَ الْمُمْكِنَاتِ أَخْبَرَ بِهَا الْوَحْيُ، فَصَدَّقْنَاهُ، فَالْإِسْلَامُ لَا يُكَلِّفُ أَحَدًا أَنْ يَأْخُذَ بِالْمُحَالِ.

وَأَمَّا نَقْلُهُمْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ عَنْ كُتُبِهِمْ (وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ) فَهُوَ مُعَارَضٌ بِنَقْلٍ مِثْلِهِ عَنْ كُتُبِ الْوَثَنِيِّينَ وَتَقَالِيدِهِمْ، فَهَذِهِ عَقِيدَةٌ وَثَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ سَرَتْ إِلَى النَّصَارَى مِنَ الْوَثَنِيِّينَ، كَمَا بَيَّنَهُ عُلَمَاءُ أُورُبَّةَ الْأَحْرَارُ، وَمُؤَرِّخُوهُمْ، وَعُلَمَاءُ الْآثَارِ وَالْعَادِيَاتِ مِنْهُمْ فِي كُتُبِهِمْ.

قَالَ (دُوَانُ) فِي كِتَابِهِ: " خُرَافَاتُ التَّوْرَاةِ وَمَا يُقَابِلُهَا مِنَ الدِّيَانَاتِ الْأُخْرَى " (. ص ١٨١، ١٨٢) مَا تَرْجَمَتُهُ بِالتَّلْخِيصِ:

" إِنَّ تَصَوُّرَ الْخَلَاصِ بِوَاسِطَةِ تَقْدِيمِ أَحَدِ الْآلِهَةِ ذَبِيحَةَ فَدَاءٍ عَنِ الْخَطِيئَةِ، قَدِيمُ الْعَهْدِ جِدًّا عِنْدَ الْهُنُودِ الْوَثَنِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ " وَذَكَرَ الشَّوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ:

مِنْهَا قَوْلُهُ: يَعْتَقِدُ الْهُنُودُ أَنَّ كَرَشْنَا الْمَوْلُودَ الْبِكْرَ، الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْإِلَهِ فِشْنُو الَّذِي لَا ابْتِدَاءَ لَهُ وَلَا انْتِهَاءَ - عَلَى رَأْيِهِمْ - تَحَرَّكَ حُنُوًّا كَيْ يُخَلِّصَ الْأَرْضَ مِنْ ثِقَلِ حِمْلِهَا، فَأَتَاهَا وَخَلَّصَ الْإِنْسَانَ بِتَقْدِيمِ نَفْسِهِ ذَبِيحَةً عَنْهُ.

وَذَكَرَ أَنَّ (مِسْتَرْ مُورْ) قَدْ صَوَّرَ كَرَشْنَا مَصْلُوبًا، كَمَا هُوَ مُصَوَّرٌ فِي كُتُبِ الْهُنُودِ، مَثْقُوبَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَعَلَى قَمِيصِهِ صُورَةُ قَلْبِ الْإِنْسَانِ مُعَلَّقًا. وَوَجَدْتُ لَهُ صُورَةً مَصْلُوبًا وَعَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنَ الذَّهَبِ، وَالنَّصَارَى تَقُولُ: إِنَّ يَسُوعَ صُلِبَ وَعَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنَ الشَّوْكِ.

وَقَالَ (هُوكْ) فِي ص ٣٢٦ مِنَ الْمُجَلَّدِ الْأَوَّلِ مِنْ رِحْلَتِهِ: " وَيَعْتَقِدُ الْهُنُودُ الْوَثَنِيُّونَ بِتَجَسُّدِ أَحَدِ الْآلِهَةِ، وَتَقْدِيمِ نَفْسِهِ ذَبِيحَةً فِدَاءً لِلنَّاسِ مِنَ الْخَطِيئَةِ ".

وَقَالَ (مورينورليمس) فِي ص ٣٦ مِنْ كِتَابِهِ (الْهُنُودُ) : وَيَعْتَقِدُ الْهُنُودُ الْوَثَنِيُّونَ بِالْخَطِيئَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي مُنَاجَاتِهِمْ، وَتَوَسُّلَاتِهِمُ الَّتِي يَتَوَسَّلُونَ بِهَا بَعْدَ " الْكِيَاتْرِي " وَهُوَ: إِنِّي مُذْنِبٌ، وَمُرْتَكِبُ الْخَطِيئَةِ، وَطَبِيعَتِي شِرِّيرَةٌ، وَحَمَلَتْنِي أُمِّي بِالْإِثْمِ، فَخَلِّصْنِي يَا ذَا الْعَيْنِ الْحَنْدُوقِيَّةِ، يَا مُخَلِّصَ الْخَاطِئِينَ مِنَ الْآثَامِ وَالذُّنُوبِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>