للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الْقَسُّ جُورَكْ كُوكْسَ فِي كِتَابِهِ (الدِّيَانَاتُ الْقَدِيمَةُ) فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَنِ الْهُنُودِ: " وَيَصِفُونَ كَرَشْنَا بِالْبَطَلِ الْوَدِيعِ الْمَمْلُوءِ لَاهُوتًا لِأَنَّهُ قَدَّمَ شَخْصَهُ ذَبِيحَةً ".

وَنَقَلَ هِيجِينْ عَنْ (أندرادا الْكروزويوس) وَهُوَ أَوَّلُ أُورُبِّيٍّ دَخَلَ بِلَادَ

النِّيبَالِ وَالتِّبْتِ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِلَهِ (أَنْدَرَا) الَّذِي يَعْبُدُونَهُ: إِنَّهُ سُفِكَ دَمُهُ بِالصَّلْبِ وَثَقْبِ الْمَسَامِيرِ، لِكَيْ يُخَلِّصَ الْبَشَرَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، وَإِنَّ صُورَةَ الصَّلِيبِ مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِهِمْ.

وَفِي كِتَابِ جورجيوس الرَّاهِبِ صُورَةُ الْإِلَهِ (أَنْدَرَا) هَذَا مَصْلُوبًا، وَهُوَ بِشَكْلِ صَلِيبٍ أَضْلَاعُهُ مُتَسَاوِيَةُ الْعَرْضِ مُتَفَاوِتَةُ الطُّولِ، فَالرَّأْسِيُّ أَقْصَرُهَا (وَفِيهِ صُورَةُ وَجْهِهِ) وَالسُّفْلِيُّ أَطُولُهَا، وَلَوْلَا صُورَةُ الْوَجْهِ لَمَا خَطَرَ لِمَنْ يَرَى الصُّورَةَ أَنَّهَا تُمَثِّلُ شَخْصًا.

هَذَا، وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنِ الْبُوذِيِّينَ فِي (بُوذَهْ) هُوَ أَكْثَرُ انْطِبَاقًا عَلَى مَا يَرْوِيهِ النَّصَارَى عَنِ الْمَسِيحِ، مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. حَتَّى إِنَّهُمْ يُسَمُّونَهُ الْمَسِيحَ، وَالْمَوْلُودُ الْوَحِيدُ، وَمُخَلِّصَ الْعَالَمِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ إِنْسَانٌ كَامِلٌ، وَإِلَهٌ كَامِلٌ تَجَسَّدَ بِالنَّاسُوتِ، وَإِنَّهُ قَدَّمَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةً ; لِيُكَفِّرَ ذُنُوبَ الْبَشَرِ، وَيُخَلِّصَهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَلَا يُعَاقَبُونَ عَلَيْهَا، وَيَجْعَلَهُمْ وَارِثِينَ لِمَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.

بَيَّنَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْغَرْبِ، مِنْهُمْ (بِيلْ) فِي كِتَابِهِ (تَارِيخُ بُوذَهْ) وَ (هُوكْ) فِي رِحْلَتِهِ وَ (مُولَرْ) فِي كِتَابِهِ (تَارِيخُ الْآدَابِ السِّنْسِكْرِيتِيَّةِ) وَغَيْرُهُمْ.

وَمَنْ أَرَادَ الْمُقَابَلَةَ بَيْنَ إِلَهِ النَّصَارَى، وَآلِهَةِ الْوَثَنِيِّينَ الْأَوَّلِينَ فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ كِتَابَ الْعَقَائِدِ الْوَثَنِيَّةِ فِي الدِّيَانَةِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَهَلْ يُتَصَوَّرُ مِنْ مُسْلِمٍ هَدَاهُ اللهُ بِالْإِسْلَامِ إِلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ، وَالدِّينِ الْقَيِّمِ دِينِ الْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى تَكْرِيمِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتَحِبَّ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى، فَيَرْضَى لِنَفْسِهِ التَّخَبُّطَ فِي ظُلُمَاتِ الْعَقَائِدِ الْوَثَنِيَّةِ؟ !

(شُبَهَاتُ النَّصَارَى عَلَى إِنْكَارِ الصَّلْبِ)

(الشُّبْهَةُ الْأُولَى) : يَدَّعِي بَعْضُهُمْ فِيمَا يُمَوِّهُ بِهِ عَلَى عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ، أَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّلْبِ مُتَوَاتِرَةٌ، فَالْعِلْمُ بِهَا قَطْعِيٌّ.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ: أَنَّ دَعْوَى التَّوَاتُرِ مَمْنُوعَةٌ ; فَإِنَّ التَّوَاتُرَ عِبَارَةٌ عَنْ إِخْبَارِ عَدَدٍ كَثِيرٍ، لَا يُجَوِّزُ الْعَقْلُ اتِّفَاقَهُمْ، وَتَوَاطُؤِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ، بِشَيْءٍ قَدْ أَدْرَكُوهُ بِحَوَاسِّهِمْ إِدْرَاكًا صَحِيحًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَكَانَ خَبَرُهُمْ بِذَلِكَ مُتَّفِقًا لَا خِلَافَ فِيهِ، هَذَا إِذَا كَانَ التَّوَاتُرُ فِي طَبَقَةٍ وَاحِدَةٍ رَأَوْا بِأَعْيُنِهِمْ شَيْئًا (مَثَلًا) وَأَخْبَرُوا بِهِ، فَإِنْ كَانَ التَّوَاتُرُ فِي طَبَقَاتٍ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>