للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُسْرَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ أَجْنَبِيًّا مِنَ الْآخَرِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، أَتَدْرِي مَنْ هُوَ الَّذِي حَضَرَتْ صُورَتُهُ فِي ذِهْنِي عِنْدَ وُقُوعِ بَصَرِي عَلَى السَّيِّدَةِ وَارنجتُون؟ ذَلِكَ هُوَ صَدِيقُكَ يَعْقُوبُ نُقُولَا، خِلْتُنِي أَرَاهُ فِي زِيِّ امْرَأَةٍ " اهـ. فَهَذَا مِثَالٌ لِرَأْيِ الْكَاتِبِ فِي تَشَابُهِ النَّاسِ. وَفِي رِسَالَةٍ نُشِرَتْ فِي الْمُجَلَّدِ الْحَادِي عَشَرَ مِنَ الْمَنَارِ مَا نَصُّهُ (ص ٣٦٨) :

" وَيُوجَدُ فِي كُتُبِ الطِّبِّ الشَّرْعِيِّ حَوَادِثُ كَثِيرَةٌ فِي بَابِ تَحْقِيقِ الشَّخْصِيَّاتِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ كَثِيرًا مَا يَحْدُثُ لِلنَّاسِ الْخَطَأُ فِي مَعْرِفَةِ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ وَيَشْتَبِهُونَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرَ " جَاي " وَ " فرير " مُؤَلِّفَا (كِتَابِ أُصُولِ الطِّبِّ الشَّرْعِيِّ) فِي اللُّغَةِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ حَادِثَةً اسْتُحْضِرَ فِيهَا (١٥٠) شَاهِدًا لِمَعْرِفَةِ شَخْصٍ يُدْعَى " مارتين جير " فَجَزَمَ أَرْبَعُونَ مِنْهُمْ أَنَّهُ هُوَ هُوَ، وَقَالَ خَمْسُونَ: إِنَّهُ غَيْرُهُ، وَالْبَاقُونَ تَرَدَّدُوا جِدًّا وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يُبْدُوا رَأْيًا، ثُمَّ اتَّضَحَ مِنَ التَّحْقِيقِ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ كَانَ غَيْرَ مَارتين جير، وَانْخَدَعَ بِهِ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ الْمُثْبِتُونَ، وَعَاشَ مَعَ زَوْجَةِ مَارتين مُحَاطًا بِأَقَارِبِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَعَارِفِهِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، وَكُلُّهُمْ مُصَدِّقُونَ أَنَّهُ مَارتين، وَلَمَّا حَكَمَتِ الْمَحْكَمَةُ عَلَيْهِ ; لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَةِ اسْتَأْنَفَ الْحُكْمَ فِي مَحْكَمَةٍ أُخْرَى، فَأُحْضِرَ ثَلَاثُونَ شَاهِدًا آخَرُونَ، فَأَقْسَمَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ هُوَ مارتين، وَقَالَ سَبْعَةٌ: إِنَّهُ غَيْرُهُ، وَتَرَدَّدَ الْبَاقُونَ، وَقَدْ حَدَثَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ سَنَةَ ١٥٣٩ م، فِي فَرَنْسَا، وَأَمْثَالُهَا كَثِيرٌ.

" وَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَبَهِ بَعْضِ الْأَشْخَاصِ لِغَيْرِهِمْ أَنْ وُجِدَ فِيهِمْ بَعْضُ مَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ مِمَّنْ شَابَهَهُمْ مِنَ الْكُسُورِ أَوِ الْجُرُوحِ أَوْ آثَارِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَتَّى تَعَسَّرَ تَمْيِيزُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ ; وَلِذَلِكَ جَدَّ الْأَطِبَّاءُ فِي وَضْعِ مُمَيِّزَاتٍ لِأَشْخَاصِ الْبَشَرِ الْمُخْتَلِفِينَ " اهـ.

(الْوَجْهُ الثَّانِي) : إِنَّ هَذِهِ الْحَادِثَةَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ الَّتِي أَيَّدَ اللهُ بِهَا نَبِيَّهُ

عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَأَنْقَذَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ، فَأَلْقَى شَبَهَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَغَيَّرَ شَكْلَهُ هُوَ، فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. وَفِي أَنَاجِيلِهِمْ وَكُتُبِهِمْ جُمَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ تُؤَيِّدُ هَذَا الْوَجْهَ أَشَرْنَا إِلَى بَعْضِهَا مِنْ قَبْلُ (مِنْهَا) قَوْلُهُ لَهُمْ: إِنَّهُمْ يَشُكُّونَ فِيهِ يَوْمَئِذٍ (وَمِنْهَا) : أَنَّهُ يَتَشَكَّلُ بِغَيْرِ شَكْلِهِ (وَمِنْهَا) : أَنَّهُ طَلَبَ مِنَ اللهِ أَنْ يَعْبُرَ عَنْهُ هَذِهِ الْكَأْسَ أَيْ قَتْلَهُ وَصَلْبَهُ إِنْ أَمْكَنَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنَ الْمُمْكِنَاتِ الْخَاضِعَةِ لِمَشِيئَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ عَلَى اسْتِجَابَةِ اللهِ لِدُعَائِهِ بِقَوْلِ يُوحَنَّا حِكَايَةً عَنْهُ فِي سِيَاقِ قِصَّةِ الصَّلْبِ مِنْ آخِرِ الْفَصْلِ ١٦ " وَلَكِنْ ثِقُوا أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ " قَالَ هَذَا بَعْدَ إِخْبَارِهِمْ بِأَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ، وَيَبْقَى وَحْدَهُ، وَلَكِنَّ اللهَ يَكُونُ مَعَهُ ; أَيْ بِعَوْنِهِ وَحِفْظِهِ، وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ مَتَّى (٢٦: ٥٦ حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلَامِيذُ كُلُّهُمْ وَهَرَبُوا) وَقَوْلُ مُرْقُسَ (١٤:

<<  <  ج: ص:  >  >>