للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَتَرَكَهُ الْجَمِيعُ وَهَرَبُوا) فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ التَّلَامِيذَ كُلَّهُمْ هَرَبُوا حِينَ جَاءَ الْجُنْدُ لِيَقْبِضُوا عَلَى الْمَسِيحِ، فَلَمْ يَكُنِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ حَقَّ الْمَعْرِفَةِ هُنَالِكَ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اسْتِجَابَةِ اللهِ دَعَوَتَهُ بِأَنْ يُنْقِذَهُ، وَيَعْبُرَ عَنْهُ تِلْكَ الْكَأْسَ، عِبَارَةُ الْمَزْمُورِ (١٠٩) الَّتِي يَقُولُونَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمَسِيحُ. وَهَذَا نَصُّهَا " ٢٦ أَعِنِّي يَا رَبِّ، إِلَهِي، خَلِّصْنِي حَسَبَ رَحْمَتِكَ ٢٧، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ يَدُكَ، أَنْتَ يَا رَبِّ فَعَلَتْ هَذَا ٢٨، أَمَّا هُمْ فَيُلْعَنُونَ وَأَمَّا أَنْتَ فَتُبَارِكُ، قَامُوا وَخُزُوا، أَمَّا عَبْدُكَ فَيَفْرَحُ ٢٩ لِيَلْبَسَ خُصَمَائِي خَجَلًا، وَلْيَتَعَطَّفُوا بِخِزْيِهِمْ كَالرِّدَاءِ. أَحْمَدُ الرَّبَّ جِدًّا بِفَمِي وَفِي وَسَطِ كَثِيرِينَ أُسَبِّحُهُ ٣١ لِأَنَّهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْمِسْكِينِ لِيُخَلِّصَهُ مِنَ الْقَاضِينَ عَلَى نَفْسِهِ ".

وَفِي الْعِبَارَاتِ الَّتِي يَحْمِلُونَهَا عَلَى الْمَسِيحِ شَوَاهِدُ أُخْرَى بِمَعْنَى هَذَا.

(الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُ) يَقُولُونَ: إِذَا كَانَ الْمَسِيحُ قَدْ نَجَا مِنْ أَعْدَائِهِ بِعِنَايَةٍ إِلَهِيَّةٍ خَاصَّةٍ، فَأَيْنَ ذَهَبَ؟ وَلِمَاذَا لَمْ يَقِفْ لَهُ أَحَدٌ عَلَى عَيْنٍ وَلَا أَثَرٍ؟ .

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ لَا تَرِدُ عَلَى الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ رُفِعَ بِرُوحِهِ وَجَسَدِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَإِنَّمَا تَرِدُ عَلَى الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللهَ تَوَفَّاهُ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَيْهِ، كَمَا رَفَعَ إِدْرِيسَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ: لَا غَرَابَةَ فِي الْأَمْرِ، فَإِنَّ أَخَاهُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَانَ بَيْنَ الْأُلُوفِ مِنْ قَوْمِهِ، الْخَاضِعِينَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَقَدِ انْفَرَدَ عَنْهُمْ، وَمَاتَ فِي مَكَانٍ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَكَيْفَ يُسْتَغْرَبُ أَنْ يَفِرَّ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ،

مِنْ قَوْمٍ أَعْدَاءٍ لَهُ، لَا وَلِيَّ لَهُ فِيهِمْ وَلَا نَصَيْرَ إِلَّا أَفْرَادٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ، قَدِ انْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ وَقْتَ الشِّدَّةِ وَأَنْكَرَهُ أَمْثَلُهُمْ (بُطْرُسْ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ لَا بِدْعَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى مَكَانٍ مَجْهُولٍ، وَمَاتَ فِيهِ كَمَا مَاتَ مُوسَى (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) وَلَمْ يَعْرِفْ قَبْرَهُ أَحَدٌ، كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي آخِرِ سِفْرِ (تَثْنِيَةِ الِاشْتِرَاعِ) مِنْ أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ قَبْرَ الْمَسِيحِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ قَدِ اكْتُشِفَ فِي الْهِنْدِ كَمَا سَيَأْتِي.

قَوْلُ بَعْضِ النَّصَارَى بِعَدَمِ مَوْتِ الْمَسِيحِ بِالصَّلْبِ

رَوَوْا أَنَّ الْقَبْرَ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ الْمَصْلُوبُ وُجِدَ فِي صَبَاحِ الْأَحَدِ خَالِيًا وَاللَّفَائِفُ مُلْقَاةٌ، وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالْوَثَنِيِّينَ لَمَّا عَلِمُوا بِذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ الْجُثَّةَ سُرِقَتْ.

وَيُرْوَى عَنْ بَعْضِ الْمُدَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ أُورُبَّةَ الْأَحْرَارِ وَكَذَا الَّذِينَ يُسَمَّوْنَ الْمَسِيحِيِّينَ الْعَقْلِيِّينَ: أَنَّ الَّذِي صُلِبَ لَمْ يَمُتْ. بَلْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أُنْزِلَ وَلُفَّ بِاللَّفَائِفِ، وَوُضِعَ فِي ذَلِكَ، النَّاوُوسِ أَفَاقَ وَأَلْقَى اللَّفَائِفَ حَتَّى إِذَا جَاءَ الَّذِينَ رَفَعُوا الْحَجَرَ لِافْتِقَادِهِ خَرَجَ وَاخْتَفَى عَنِ النَّاسِ حَتَّى لَا يَعْلَمَ بِهِ أَعْدَاؤُهُ. وَمِمَّا أَوْرَدُوا مِنَ التَّقْرِيبِ عَلَى هَذَا، أَنَّ الْمَصْلُوبَ لَمْ يُجْرَحْ مِنْهُ إِلَّا كَفَّاهُ وَرِجْلَاهُ، وَهِيَ لَيْسَتْ مِنَ الْمَقَاتِلِ وَلَمْ يَمْكُثْ مُعَلَّقًا إِلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ، وَكَانَ يُمْكِنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>