للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنَّمَا تَكُونُ لَذَّاتُهُ الْإِنْسَانِيَّةُ أَكْمَلَ مِمَّا كَانَ فِي الدُّنْيَا وَأَسْلَمَ مِنَ الْمُنَغِّصَاتِ وَمِنْهَا الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْمُبَاشَرَةُ الزَّوْجِيَّةُ فَتَنَبَّهْ، وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ((إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ)) قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: ((جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، وَيُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى، وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا ((إِنَّ لِكُلِّ رَجُلٍ فِي الْجَنَّةِ زَوْجَيْنِ اثْنَتَيْنِ)) - قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِحْدَاهُنَّ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى مِنْ نِسَاءِ الْجَنَّةِ، وَمَا وَرَدَ مِنْ كَثْرَتِهِنَّ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ.

ثُمَّ قَالَ: (وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) الْخُلُودُ فِي اللُّغَةِ: طُولُ الْمُكْثِ، وَمِنْ كَلَامِهِمْ خَلَدَ فِي السِّجْنِ كَمَا فِي الْأَسَاسِ، وَفِي الشَّرْعِ: الدَّوَامُ الْأَبَدِيُّ، أَيْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا هِيَ تَفْنَى بِهِمْ فَيَزُولُوا بِزَوَالِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَفَّقَنَا اللهُ لِمَا يَجْعَلُنَا مِنْ خِيَارِ أَهْلِهَا مِنَ الْعُلُومِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تَرْتَقِي بِهَا الْأَرْوَاحُ وَتَسْتَعِدُّ لِذَلِكَ الْفَلَاحِ.

(إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ)

الْآيَاتُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا لَمْ يَخْتَلِفِ النَّظْمُ، وَلَمْ يَخْرُجِ الْكَلَامُ عَنِ الْمَوْضُوعِ الْأَصْلِيِّ

وَهُوَ الْكِتَابُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، وَحَالُ النَّاسِ فِي الْإِيمَانِ بِهِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ، وَلَا فَصْلَ فِي صِحَّةِ هَذَا الْوَصْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ رَدًّا عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا ضَرْبَ الْأَمْثَالِ بِالْمُحَقَّرَاتِ كَالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ كَمَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ رَدًّا عَلَى الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْأَمْثَالَ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ بِمُسْتَوْقِدِ النَّارِ وَالصَّيِّبِ مِنَ السَّمَاءِ زَاعِمِينَ أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِاللهِ ضَرَبُ الْأَمْثَالِ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَثَلِ الْقُدْوَةُ تَقْرِيرًا لِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَيُقَالُ: إِنَّهُ إِنَّمَا نَصَّ هُنَا عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْيَاءِ مَنْ ضَرْبِ أَيِّ مَثَلٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ هُنَاكَ عِنْدَ تَمْثِيلِ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ بِالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ هُنَا مَقَامُ ذِكْرِ الِاعْتِرَاضِ الْمُوَجَّهِ عَلَى الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ هَذَا مَقَامَ رَدِّ شُبَهِ الْمُكَابِرِينَ عَنْهُ، وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَهُوَ أَظْهَرُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>