للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اجْتِهَادَهُ وَرَأْيَهُ فِي فَهْمِهَا. وَقَدْ عَهِدَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ مَا هُوَ أَغْرَبُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنْ يَعْجِزُوا عَنْ تَصَوُّرِ بَعْضِ الْأُمُورِ ; كَبَعْضِ أَرْقَامِ الْحِسَابِ مَثَلًا، وَيَكُونُ تَصَوُّرُهُمْ وَإِدْرَاكُهُمْ لِكُلِّ مَا عَدَا ذَلِكَ صَحِيحًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مَا تَخَافُهُ النَّفْسُ، وَيَضْطَرِبُ لَهُ الْعَصَبُ، كَالْقَوْلِ فِي كِتَابِ اللهِ - تَعَالَى - بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَهَلْ يَعْتَبِرُ بِهَذَا مَنْ يُقَدِّمُونَ اجْتِهَادَهُمْ أَوِ اجْتِهَادَ شُيُوخِهِمْ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ، أَوِ الَّذِينَ لَا يُقَدِّمُونَ كِتَابَ اللهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؟

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ الْكَلَالَةَ مِنَ الْوَارِثِينَ مَنْ كَلَّ وَأَعْيَا عَنْ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَيِّتِ الْمَوْرُوثِ بِنَفْسِهِ ; فَهُوَ يَصِلُ إِلَيْهِ بِوَاسِطَةِ مَنْ يَتَّصِلُ نَسَبُهُ بِهِ بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا النَّسَبُ الْمُتَّصِلُ بِالذَّاتِ - الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَمَا عَلَا مِنَ الْأُصُولِ وَسَفُلَ مِنَ الْفُرُوعِ - هُوَ عَمُودُ النَّسَبِ، فَلَا يَكُونُ كَلَالَةً ; فَالْكَلَالَةً مِنَ الْوَارِثِينَ إذًا هُمُ الْحَوَاشِي الَّذِينَ يُدْلُونَ إِلَى الْمَيِّتِ بِوَاسِطَةِ الْأَبَوَيْنِ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا مِنَ الْأَطْرَافِ، وَالْكَلَالَةُ مِنَ الْمَوْرُوثِينَ هُوَ الَّذِي يَرِثُهُ غَيْرُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، فَهَذَا مَا كَانَ يَفْهَمُهُ الصَّحَابَةُ ; لِأَنَّهُ الْمَعْرُوفُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَلَا صِحَّةَ لِغَيْرِهِ، وَمَا اشْتَبَهَ بَعْضُهُمْ إِلَّا لِنَفْيِ الْوَلَدِ دُونَ الْوَالِدِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ; لِأَنَّهُمْ عَهِدُوا أَنَّ الْقُرْآنَ خَالٍ مِنَ الْعَبَثِ، وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ فِي ذِكْرِ مَا يُثْبِتُهُ وَتَرْكِ مَا يَتْرُكُهُ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ إِلَى بَيَانِهِ، وَهُمْ مُوقِنُونَ بِأَنَّهُمْ حَفِظُوا هَذَا الْقُرْآنَ أَكْمَلَ حِفْظٍ وَأَتَمَّهُ،

فَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ نَسُوا أَوْ تَرَكُوا ذِكْرَ نَفْيِ الْوَالِدِ مَعَ نَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْآيَةِ ; وَلِهَذَا أَغْلَظَ حُذَيْفَةُ الرَّدَّ عَلَى عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ، لَمَّا سَأَلَهُ عَنِ الْآيَةِ ; إِذْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ فِيهَا شَيْئًا بِرَأْيِهِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَحَلُّ الْإِشْكَالِ هُوَ نُكْتَةَ نَفْيِ الْوَلَدِ دُونَ نَفْيِ الْوَالِدِ فِي الْآيَةِ، وَإِلَيْكَ تَفْسِيرُهَا مُتَضَمِّنًا لِهَذِهِ النُّكْتَةِ:

يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ أَيْ يَطْلُبُونَ مِنْكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ الْفُتْيَا فِي مَنْ يُورَثُ كَلَالَةً ; كَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ، وَلَهُ أَخَوَاتٌ مَنْ عَصَبَتِهِ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُفْرَضْ لَهُنَّ شَيْءٌ فِي التَّرِكَةِ مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّمَا فُرِضَ لِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ لِلْوَاحِدِ مِنْهُمْ، وَالثُّلُثُ لِمَا زَادَ عَنِ الْوَاحِدِ، شُرَكَاءَ فِيهِ مَهْمَا كَثُرُوا ; لِأَنَّهُ سَهْمُ أُمِّهِمْ لَيْسَ لَهَا سِوَاهُ، فَقُلْ لَهُمْ: إِنَّ اللهَ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ الَّتِي سَأَلْتُمْ عَنْهَا بِقَوْلِهِ:

إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ، فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ هَلَكَ: مَاتَ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ مُنْذُ قُرُونٍ إِلَّا فِي مَقَامِ التَّحْقِيرِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ بِمَعْنَى الْمَوْتِ مُطْلَقًا، بِقَوْلِهِ عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا (٤٠: ٣٤) وَلَيْسَ لَهُ وَلَدٌ صِفَةٌ (امْرُؤٌ) أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي (هَلَكَ) وَالْمَعْنَى: إِنْ هَلَكَ امْرُؤٌ عَادِمٌ لِلْوَلَدِ، أَوْ غَيْرُ ذِي وَلَدٍ، وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ أُخْتًا مِنْ أَبَوَيْهِ مَعًا أَوْ مِنْ أَبِيهِ فَقَطْ، فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ.

وَالنُّكْتَةُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ نَفْيِ الْوَالِدِ، تَظْهَرُ بِوُجُوهٍ: (١) أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ الْكَلَالَةِ لُغَةً.

(٢) أَنَّ الْأَكْثَرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَمُوتُ عَنْ تَرِكَةٍ، بَعْدَ مَوْتِ وَالِدَيْهِ ; لِأَنَّ الْمَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>