الَّذِي يَتْرُكُهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ وِرَثَهُ مِنْهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اكْتَسَبَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْكَسْبُ فِي سِنِّ الشَّبَابِ وَالْكُهُولَةِ وَيَقِلُّ فِي هَذِهِ الْحَالِ بَقَاءُ الْوَالِدَيْنِ، فَلَمْ يُرَاعَ فِي الذِّكْرِ إِيجَازًا (٣) وَهُوَ الْعُمْدَةُ أَنَّ عَدَمَ إِرْثِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْوَالِدِ الَّذِي يُدْلُونَ بِهِ قَدْ عُلِمَ مِنْ آيَاتِ الْفَرَائِضِ الَّتِي أُنْزِلَتْ أَوَّلًا وَتَقَدَّمَتْ فِي أَوَائِلِ السُّورَةِ، وَمَضَتِ السُّنَّةُ فِي بَيَانِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَعُلِمَ أَيْضًا مِنَ الْقَاعِدَةِ الْقِيَاسِيَّةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ، وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَهِيَ كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْإِرْثِ أَنْ يَكُونَ لِلذَّكَرِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمِنْ قَاعِدَةِ حَجْبِ الْوَالِدِ لِأَوْلَادِهِ، قَالَ - تَعَالَى - فِي الْآيَاتِ الْأُولَى: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ (٤: ١١) ; أَيْ: وَالْبَاقِي - وَهُوَ
الثُّلْثَانِ - لِأَبِيهِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ (٤: ١١) لِأَنَّ أَوْلَادَهَا يَحْجُبُونَهَا حَجْبَ نُقْصَانٍ ; فَيَكُونُ ثُلُثُهَا سُدُسًا، وَالسُّدُسُ الْآخَرُ يَكُونُ لَهُمْ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْبَاقِيَ كُلَّهُ لِلْأَبِ ; لِأَنَّ الْآيَةَ بَيَّنَتْ أَنَّ وُجُودَهُمَا يُنْقِصُ فَرْضَهَا، وَلَمْ تَفْرِضْ لَهُمْ شَيْئًا، وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ لَيْسَ لَهُمْ فَرْضٌ مَعَ وُجُودِ الْأَبِ الَّذِي يَحْجُبُهُمْ حَجْبَ حِرْمَانٍ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَصِلُونَ إِلَى أَخِيهِمْ إِلَّا بِهِ، وَمَا يَتْرُكُهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَغَيْرِهِ يَعُودُ إِلَيْهِمْ ; فَلِهَذِهِ الْوُجُوهِ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ عَدَمِ الْأَبِ فَائِدَةٌ فَتُرِكَ إِيجَازًا ; لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ لَفْظِ الْكَلَالَةِ وَمِنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَالْقَوَاعِدِ الثَّابِتَةِ، وَكَذَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَبْنِيِّ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَالْمُبَيِّنُ لَهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ، وَلَيْسَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ نَفْيِ الْوَالِدِ هُنَا مَعَ إِرَادَتِهِ، إِلَّا مِثْلَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَرْضُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دِينٍ، كُلٌّ مِنْهُمَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ، فَاسْتُغْنِيَ عَنْ إِعَادَةِ ذِكْرِهِ، بَلْ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ ذِكْرِ نَفْيِ الْوَالِدِ أَقْوَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ مِنَ اللَّفْظِ، وَكَوْنِ الْغَالِبِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ، وَكَوْنِهِ إِنْ وُجِدَ يَكُونُ حَجْبُهُ لِأَوْلَادِهِ مَعْلُومًا قَطْعِيًّا ; لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ وَمَقِيسٌ، وَإِنَّمَا أَطَلْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَرَّرْتُ بَعْضَ الْمَعَانِي ; لِاضْطِرَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْكَلَالَةِ، وَعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَيَانٍ تَامٍّ فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا جَرَى عَلَيْهِ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَبَيْنَ عِبَارَةِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْوَلَدِ هُنَا هَلْ هُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَيَشْمَلُ الْبِنْتَ، أَوْ هُوَ خَاصٌّ بِالِابْنِ، كَمَا يُطْلَقُ أَحْيَانًا، وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الْأُخْتَ لَا تَرِثُ شَيْئًا مَعَ وُجُودِ الِابْنِ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الْبِنْتِ فَتَرِثُ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى هُنَا لَمْ يَرَ إِرْثَ الْأُخْتِ مَعَ وُجُودِ الْبِنْتِ مَانِعًا مِنِ اشْتِرَاطِ عَدَمِ وُجُودِ الْبِنْتِ، لِإِرْثِهَا النِّصْفَ فَرْضًا ; لِأَنَّ الْفَرْضَ الثَّابِتَ لَهَا هُنَا - وَهُوَ النِّصْفُ - يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ وُجُودِ الْبِنْتِ، فَإِنَّهَا إِذَا وُجِدَتْ تَجْعَلُهَا عَصَبَةً تَرِثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ أَخْذِ كُلِّ ذِي فَرْضٍ حَقَّهُ مِنَ التَّرِكَةِ، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْبَاقِي النِّصْفَ، وَقَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِنَ النِّصْفِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَارِثٌ إِلَّا الْبِنْتَ وَالْأُخْتَ كَانَ النِّصْفُ لِلْبِنْتِ فَرْضًا، وَالْبَاقِي وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute