للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ أَعْمَالِهِ، وَقَلَّمَا تَرَى أَحَدًا فِي هَذَا الْعَصْرِ يُعِينُكَ عَلَى عَمَلٍ مِنَ الْبِرِّ، مَا لَمْ يَكُنْ مُرْتَبِطًا مَعَكَ فِي جَمْعِيَّةٍ أُلِّفَتْ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ لَا يَفِي لَكَ بِهَذَا كُلُّ مَنْ يُعَاهِدُكَ عَلَى الْوَفَاءِ، فَهَلْ تَرْجُو أَنْ يُعِينَكَ عَلَى غَيْرِ مَا عَاهَدَكَ عَلَيْهِ؟ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَأْلِيفَ الْجَمْعِيَّاتِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ امْتِثَالُ هَذَا الْأَمْرِ، وَإِقَامَةُ هَذَا الْوَاجِبِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ، فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ تَأْلِيفِ الْجَمْعِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ وَالْخَيْرِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ، إِذَا كُنَّا نُرِيدُ أَنْ نَحْيَا حَيَاةً عَزِيزَةً، فَعَلَى أَهْلِ الْغَيْرَةِ وَالنَّجْدَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعْنَوْا بِهَذَا كُلَّ الْعِنَايَةِ، وَإِنْ رَأَوْا كُتُبَ التَّفْسِيرِ لَمْ تُعْنَ بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَلَمْ تُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهَا دَاعِيَةٌ لَهُمْ إِلَى أَقْوَمِ الطُّرِقِ وَأَقْصَدِهَا لِإِصْلَاحِ شَأْنِهِمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.

اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّنَا عُنِينَا بِتَأْلِيفِ جَمَاعَةٍ يُرَادُ بِهَا إِقَامَةُ جَمِيعِ مَا تُحِبُّ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَإِصْلَاحِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَهِيَ جَمَاعَةُ الدَّعْوَةِ وَالْإِرْشَادِ، اللهُمَّ أَيِّدْ مَنْ أَيَّدَهَا وَأَعِنِ الْمُتَعَاوِنِينَ عَلَى أَعْمَالِهَا، وَاخْذُلْ مَنْ ثَبَّطَ عَنْهَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْقَادِرُ،

الْقَوِيُّ الْقَاهِرُ، الْعَلِيمُ بِمَا فِي السَّرَائِرِ.

وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ أَيِ اتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِالسَّيْرِ عَلَى سُنَنِهِ الَّتِي بَيَّنَهَا لَكُمْ فِي كِتَابِهِ وَفِي نِظَامِ خَلْقِهِ ; لِئَلَّا تَسْتَحِقُّوا عِقَابَهُ الَّذِي يُصِيبُ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ هِدَايَتِهِ، إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِمَنْ لَمْ يَتَّقِهِ بِاتِّبَاعِ شَرْعِهِ، وَمُرَاعَاةِ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ، لَا هَوَادَةَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي عِقَابِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ، إِلَّا وَفِعْلُهُ نَافِعٌ وَتَرْكُهُ ضَارٌّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ، إِلَّا وَفِعْلُهُ ضَارٌّ وَتَرْكُهُ نَافِعٌ، وَفِي مَعْنَى الْمَأْمُورِ بِهِ كُلُّ مَا رَغَّبَ فِيهِ، وَفِي مَعْنَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كُلُّ مَا رَغَّبَ عَنْهُ، فَلِهَذَا كَانَ تَرْكُ هِدَايَتِهِ مُفْضِيًا بِطَبْعِهِ إِلَى الْحِرْمَانِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْوُقُوعِ فِي الْمَضَارِّ، الَّتِي مِنْهَا فَسَادُ الْفِطْرَةِ، وَعَمَى الْبَصِيرَةِ، وَذَلِكَ إِبْسَالٌ لِلنَّفْسِ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الدُّنْيَا وَسُوءُ عَاقِبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَكَذَلِكَ عَدَمُ مُرَاعَاةِ سُنَنِ اللهِ - تَعَالَى - فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَسَجَايَاهُ وَتَأْثِيرِ عَقَائِدِهِ وَأَخْلَاقِهِ فِي أَعْمَالِهِ، وَسُنَنِهِ فِي ارْتِقَاءِ الْإِنْسَانِ فِي أَفْرَادِهِ وَشُعُوبِهِ، كُلُّ ذَلِكَ يُوقِعُ الْإِنْسَانَ فِي الْغَوَايَةِ، وَيَنْتَهِي بِهِ إِلَى شَرِّ عَاقِبَةٍ وَغَايَةٍ، وَإِنَّمَا يَظْلِمُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ وَلَا عَتَبَ لَهُ إِلَّا عَلَيْهَا، وَالْعِقَابُ هُنَا يَشْمَلُ عِقَابَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ التَّصْرِيحُ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَفِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِأَحَدِهِمَا، كَقَوْلِهِ فِي عَذَابِ الْأُمَمِ فِي الدُّنْيَا: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١١: ١٠٢) وَوَضَعَ اسْمَ الْجَلَالَةِ الْمَظْهَرَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَالْمَقَامُ مَقَامُ الْإِضْمَارِ لِمَا لِذِكْرِ الِاسْمِ الْكَرِيمِ مِنَ الرَّوْعَةِ وَالتَّأْثِيرِ، وَذَلِكَ أَدْعَى إِلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>