أَوِ انْخَنَقَ أَوْ فَرَسَهُ السَّبُعُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِمَّا أَصَابَهُ مِنْهُ إِلَّا بِالْيَسِيرِ مِنَ الْحَيَاةِ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ - مُغْنِيًّا مِنْ تَكْرِيرِ مَا كَرَّرَ بِقَوْلِهِ: وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَسَائِرِ
مَا ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ، وَتَعْدِيدِهِ مَا عَدَّدَ؟ قِيلَ: وَجْهُ تَكْرَارِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ إِذَا مَاتَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي هُوَ بِهَا مَوْصُوفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ أَنَّ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا لَا يَعُدُّونَ الْمَيْتَةَ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلَّا مَا مَاتَ مِنْ عِلَّةٍ عَارِضَةٍ بِهِ غَيْرَ الِانْخِنَاقِ وَالتَّرَدِّي وَالِانْتِطَاحِ وَفَرْسِ السَّبُعِ، فَأَعْلَمَهُمُ اللهُ أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حُكْمُ مَا مَاتَ مِنَ الْعِلَلِ الْعَارِضَةِ، وَأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ لَيْسَتْ مَوْتَهَا مِنْ عِلَّةِ مَرَضٍ أَوْ أَذًى كَانَ بِهَا قَبْلَ هَلَاكِهَا، وَلَكِنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ يَذْبَحْهَا مَنْ أَحَلَّ ذَبِيحَتَهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي أَحَلَّهَا بِهِ. اهـ.
وَقَدْ أَيَّدَ رَأْيَهُ هَذَا بِرِوَايَةٍ عَنِ السُّدِّيِّ فِي الْمُنْخَنِقَةِ وَمَا بَعْدَهَا، قَالَ: هَذَا حَرَامٌ لِأَنَّ نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَأْكُلُونَهُ، وَلَا يَعُدُّونَهُ مَيِّتًا، إِنَّمَا يَعُدُّونَ الْمَيِّتَ الَّذِي يَمُوتُ مِنَ الْوَجَعِ، فَحَرَّمَهُ اللهُ عَلَيْهِمْ إِلَّا مَا ذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، وَأَدْرَكُوا ذَكَاتَهُ وَفِيهِ الرُّوحُ. اهـ. وَقَدْ أَخْطَأَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي سِيَاقِهِ هَذَا بِمَا ذَكَرَ مِنَ الْعِلَّةِ، وَبِالتَّعْبِيرِ فِيهِ بِلَفْظِ الذَّبْحِ بَدَلَ لَفْظِ التَّذْكِيَةِ الَّذِي هُوَ تَعْبِيرُ الْقُرْآنِ، وَالتَّذْكِيَةُ أَعَمُّ مِنَ الذَّبْحِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُتَرَدِّيَةَ فِي بِئْرٍ إِذَا طُعِنَتْ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهَا، فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَمِّمَ لِمَوْتِهَا عُدَّ تَذْكِيَةً، وَحَلَّ أَكْلُهَا، وَمَا هُوَ بِالَّذِي يَجْهَلُ هَذَا، وَلَكِنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْغَالِبَ يُنْسِي الْإِنْسَانَ غَيْرَهُ أَحْيَانًا فَيُعَبِّرُ بِهِ وَقَدْ يُرِيدُ بِهِ الْمِثَالَ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَيْتَةِ، وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ عِبَارَتِهِ هُوَ. وَأَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَعُدُّونَهَا مِنَ الْمَيْتَةِ لُغَةً، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعَافُ أَكْلَ الْمَيْتَةِ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ لَا يَعَافُ مِنْهَا إِلَّا مَا جَهِلَ سَبَبَ مَوْتِهِ، وَأَمَّا مَا عَرَفَ - كَالْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ إِلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْآيَةِ - فَلَمْ يَكُونُوا يَعَافُونَهُ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَحَلَّ أَكْلَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَسَائِرِ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الْحَيَوَانِ: مَا دَبَّ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا طَارَ فِي الْهَوَاءِ وَمَا سَبَحَ فِي الْبَحْرِ، وَلَمْ يُحَرِّمْ عَلَى سَبِيلِ التَّعْيِينِ إِلَّا الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ الْمَسْفُوحَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ. وَلَمَّا كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَذْبَحُ الْحَيَوَانَ عَلَى اسْمِ غَيْرِ اللهِ، وَهُوَ شِرْكٌ وَفِسْقٌ، وَبَعْضُهُمْ يَأْكُلُ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْمَيْتَةِ، بَلْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْكُلُ كُلَّ مَيْتَةٍ، سَهَّلَ ذَلِكَ
عَلَيْهِ عَدَمُهُ وَفَقْرُهُ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute