للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِمَ تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللهُ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَظِنَّةَ الضَّرَرِ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَهَانَةِ النَّفْسِ، جَعَلَ اللهُ - تَعَالَى - حِلَّ أَكْلِ الْمُسْلِمِ لِذَلِكَ مَنُوطًا بِأَنْ يَكُونَ إِتْمَامَ مَوْتِهِ وَالْإِجْهَازِ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ هُوَ ; لِيَذْكُرَ اسْمَ اللهِ عَلَى مَا بُدِئَ بِالْإِهْلَالِ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ عِنْدَ إِزْهَاقِ رُوحِهِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ عَمَلِ الشِّرْكِ، وَلِئَلَّا يَقَعَ فِي مَهَانَةِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَخِسَّةِ صَاحِبِهَا بِأَكْلِهِ الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَفَرِيسَةِ السَّبُعِ، وَنَاهِيكَ بِمَا فِي الْمَوْقُوذَةِ مِنْ إِقْرَارِ وَاقِذِهَا عَلَى قَسْوَتِهِ وَظُلْمِهِ لِلْحَيَوَانِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا.

وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ إِدْرَاكِ ذَكَاةِ مَا ذُكِرَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رَمَقٌ مِنَ الْحَيَاةِ عِنْدَ جُمْهُورِ مُفَسِّرِي السَّلَفِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَعَلَامَتُهَا انْفِجَارُ الدَّمِ وَالْحَرَكَةُ الْعَنِيفَةُ. رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ ذَكَاتُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ: إِذَا طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ ضَرَبَتْ بِذَنَبِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ عِنْدَهُ: إِذَا كَانَتِ الْمَوْقُوذَةُ تَطْرِفُ بِبَصَرِهَا أَوْ تَرْكُضُ - تَضْرِبُ - بِرِجْلِهَا أَوْ تَمْصَعُ بِذَنَبِهَا - تُحَرِّكُهُ - فَاذْبَحْ وَكُلْ. وَعَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ قَالَ: فَكُلُّ هَذَا الَّذِي سَمَّاهُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، هَهُنَا مَا خَلَا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ إِذَا أَدْرَكْتَ مِنْهُ عَيْنًا تَطْرِفُ أَوْ ذَنَبًا يَتَحَرَّكُ أَوْ قَائِمَةً تَرْكُضُ فَذَكَّيْتَهُ فَقَدْ أَحَلَّ اللهُ ذَلِكَ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، فَإِذَا وَجَدْتَهَا تَطْرِفُ عَيْنَهَا أَوْ تُحَرِّكُ أُذُنَيْهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ فَهِيَ لَكَ حَلَالٌ، وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَالَ: إِذَا أَدْرَكْتَ ذَكَاةَ الْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ، وَهِيَ تُحَرِّكُ يَدًا أَوْ رِجْلًا، فَكُلْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ عِنْدَهُ أَيْضًا: إِذَا رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ حَرَّكَتْ ذَنَبَهَا فَقَدْ أَجْزَى. وَعَنِ الضَّحَّاكِ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ هَذَا فَحَرَّمَ اللهُ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا مَا ذُكِّيَ مِنْهُ، فَمَا أُدْرِكَ فَتَحَرَّكَ مِنْهُ رِجْلٌ أَوْ ذَنَبٌ أَوْ طَرَفَ، فَذُكِّيَ فَهُوَ حَلَالٌ. وَرُوِيَ الْقَوْلُ الْآخَرُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ عَنْ أَشْهَبَ، قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنِ السَّبُعِ يَعْدُو عَلَى الْكَبْشِ، فَيَدُقُّ ظَهْرَهُ، أَتَرَى أَنْ يُذَكَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَيُؤْكَلَ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ بَلَغَ السَّحْرَ فَلَا أَرَى أَنْ يُؤْكَلَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَصَابَ أَطْرَافَهُ، فَلَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، قِيلَ لَهُ: وَثَبَ عَلَيْهِ فَدَقَّ ظَهْرَهُ، قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي

أَنْ يُؤْكَلَ، هَذَا لَا يَعِيشُ مِنْهُ، قِيلَ لَهُ: فَالذِّئْبُ يَعْدُو عَلَى الشَّاةِ فَيَشُقُّ بَطْنَهَا، وَلَا يَشُقُّ الْأَمْعَاءَ، قَالَ: إِذَا شَقَّ بَطْنَهَا، فَلَا أَرَى أَنْ تُؤْكَلَ، (قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ) وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ هَذَا مَرْجُوحٌ، وَأَنَّ الصَّوَابَ غَيْرُهُ، وَقَدْ نَقَلْنَا عِبَارَتَهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَحْثِ.

أَمَّا الذَّكَاءُ وَالذَّكَاةُ وَالتَّذْكِيَةُ وَالْإِذْكَاءُ فَمَعْنَاهَا فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: إِتْمَامُ فِعْلٍ خَاصٍّ أَوْ تَمَامُهُ، لَا مُجَرَّدَ إِيقَاعِ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ وُقُوعِهِ، يُقَالُ: ذَكَتِ النَّارُ تَذْكُو ذَكْوًا وَذَكًا وَذَكَاءً: إِذَا تَمَّ اشْتِعَالُهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>