للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ يُرِيدُ: بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ، فَالسُّنَّةُ إِذًا فِي مَحْصُولِ الْأَمْرِ بَيَانٌ لِمَا فِيهِ، وَذَلِكَ مَعْنَى كَوْنِهَا رَاجِعَةً إِلَيْهِ، وَأَيْضًا فَالِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، حَسْبَمَا يُذْكَرُ بَعْدُ بِحَوْلِ اللهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَدِلَّةِ أَنَّ السُّنَّةَ رَاجِعَةٌ إِلَى الْكِتَابِ، وَإِلَّا وَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْ قَبُولِهَا، وَهُوَ أَصْلٌ كَافٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ ".

ثُمَّ أَوْرَدَ الشَّاطِبِيُّ الشُّبَهَاتِ عَلَى هَذَا مَعَ رَدِّهَا، وَمُلَخَّصُهَا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ أَوْجُهٍ:

(١) الْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِي تَحْكِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَخْذِ مَا أَعْطَى وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى، وَحَذَّرَ الْمُخَالِفَةَ عَنْ أَمْرِهِ.

(٢) الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَمِّ تَرْكِ السُّنَّةِ.

(٣) الِاسْتِقْرَاءُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ فِي السُّنَّةِ أَحْكَامًا كَثِيرَةً لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ ; كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وَتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ.

(٤) " إِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْكِتَابِ رَأْيُ قَوْمٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ خَارِجِينَ عَنِ السُّنَّةِ ; إِذْ عَوَّلُوا عَلَى مَا بَنَيْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْكِتَابَ فِيهِ بَيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، فَأَطْرَحُوا أَحْكَامَ السُّنَّةِ، فَأَدَّاهُمْ ذَلِكَ إِلَى الِانْخِلَاعِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ. وَأَوْرَدَ بَعْضَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ.

ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ الْمَذْكُورَةَ لَا حُجَّةَ فِيهَا عَلَى خِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، وَتَكَلَّمَ عَنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْهَا. وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي: أَنَّ السُّنَّةَ تُطَاعُ لِأَنَّهَا بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ، فَطَاعَةُ اللهِ الْعَمَلُ بِكِتَابِهِ، وَطَاعَةُ الرَّسُولِ الْعَمَلُ بِمَا بَيَّنَ بِهِ كِتَابَ اللهِ - تَعَالَى - قَوْلًا أَوْ عَمَلًا أَوْ حُكْمًا، وَلَوْ كَانَ فِي السُّنَّةِ شَيْءٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْكِتَابِ لَمْ تَكُنْ بَيَانًا لَهُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا مَا فِي السُّنَّةِ مِنَ التَّفْصِيلِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَإِنْ كَانَ تَتَرَاءَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ الْمُجْمَلَةِ فِي الْقُرْآنِ، الْمُفَصَّلَةِ فِي السُّنَّةِ، وَلَكِنَّنَا عَلِمْنَا بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّهُ هُوَ مُرَادُ اللهِ مِنَ الصَّلَاةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ مُجْمَلَةً. وَمُلَخَّصُ الْجَوَابِ عَنِ الرَّابِعِ: أَنَّ خُرُوجَ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ عَنِ السُّنَّةِ لِمَكَانِ اتِّبَاعِهِمُ الرَّأْيَ وَالْهَوَى، وَإِطْرَاحِهِمُ السُّنَنَ الْمُبَيِّنَةَ لِلْقُرْآنِ ; يَعْنِي أَنَّهُمْ جَعَلُوا بَيَانَهُمْ لَهُ أَوْلَى مِنْ بَيَانِ الرَّسُولِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مُبَيِّنًا لَهُ. وَقَالَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ تَأْتِيَ السُّنَّةُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ وَلَا مُوَافَقَةٌ، بَلْ بِمَا يَكُونُ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ، إِلَّا إِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْجَائِزِ، وَهُوَ الَّذِي تَرْجَمَ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; فَحِينَئِذٍ، لَا بُدَّ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنَ الْمُوَافَقَةِ لِكِتَابِ اللهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ; فَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ صَحَّ سَنَدُهُ أَوَّلًا ; أَيْ فَهَذَا الْأَمْرُ الْجَائِزُ غَيْرُ وَاقِعٍ، وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ وُجُوبُ مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ لِلْقُرْآنِ بَعْدَ عَرْضِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَطَالَ فِي تَأْيِيدِهِ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فَقَدْ عَقَدَ لَهُ مَسْأَلَةً خَاصَّةً (وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) اسْتَغْرَقَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ صَفْحَةً مِنَ الْكِتَابِ، بَيَّنَ فِيهَا بِالْأَدِلَّةِ وَالْأَمْثِلَةِ وَالشَّوَاهِدِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي السُّنَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>