للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ ; فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ " وَالْمُرَادُ بِإِطَالَةِ الْغُرَّةِ مَا ذُكِرَ، وَقِيلَ غَسْلُ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ مَعَ الْوَجْهِ، وَجُزْءٍ مِنَ الْعَضُدَيْنِ، وَجُزْءٍ مِنَ السَّاقَيْنِ مَعَ الرِّجْلَيْنِ، شُبِّهَ ذَلِكَ بِغُرَّةِ الْفَرَسِ وَتَحْجِيلِهِ، وَهُوَ الْبَيَاضُ فِي جَبْهَتِهِ وَقَوَائِمِهِ، أَوِ التَّشْبِيهُ لِلنُّورِ الَّذِي يَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: " إِنَّ هَذَا اجْتِهَادٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يَزِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَسْلِ الْمَرْفِقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ ".

الْفَرْضُ الثَّالِثُ: الْمَسْحُ بِالرَّأْسِ فِي قَوْلِهِ: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ الرَّأْسُ مَعْرُوفٌ، وَيُمْسَحُ مَا عَدَا الْوَجْهَ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْوَجْهَ شُرِعَ غَسْلُهُ لِسُهُولَتِهِ، وَكَيْفِيَّةُ الْمَسْحِ الْمُبَيَّنَةِ فِي السُّنَّةِ، أَنْ يَمْسَحَهُ كُلَّهُ بِيَدَيْهِ إِذَا كَانَ مَكْشُوفًا، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ وَنَحْوُهَا يَمْسَحُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ، وَيُتِمُّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، رَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، وَرَوَى مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ

وَالْخُفَّيْنِ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضُّمَرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ، مَا عَدَا أَبَا دَاوُدَ، عَنْ بِلَالٍ قَالَ: مَسَحَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ، وَالْخِمَارُ: الثَّوْبُ الَّذِي يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ، وَهُوَ النَّصِيفُ، وَكُلُّ مَا سَتَرَ شَيْئًا فَهُوَ خِمَارُهُ، وَفَسَّرَهُ النَّوَوِيُّ هُنَا بِالْعِمَامَةِ ; أَيْ لِلرِّجَالِ ; لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الرَّأْسَ، وَخُمُرُ النِّسَاءِ مَعْرُوفَةٌ، وَرُوِيَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ أَوِ الْخِمَارِ أَوِ الْعِصَابَةِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يَرْفَعُونَهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَثَوْبَانِ وَأَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو مُوسَى وَأَبُو خُزَيْمَةَ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْمَسْحَ كَانَ يَكُونُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ سَاتِرٍ وَحْدَهُ، وَالْأَخْذُ بِهِ مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ; مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَقَالَ بِجَوَازِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ ; مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبِهِ أَقُولُ، وَقَدْ صَحَّ كَمَا عَلِمْتَ، وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يَقُولُونَ بِهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لِلْمَسْحِ عَلَيْهَا لُبْسُهَا عَلَى طُهْرٍ، وَلَا التَّوْقِيتَ ; إِذْ لَمْ يُرْوَ فِيهِ شَيْءٌ يُحْتَجُّ بِهِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ قَاسَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ، فَاشْتَرَطَ الطَّهَارَةَ وَوَقَّتَ، وَالْجُمْهُورُ الَّذِينَ لَمْ يُجِيزُوا الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَحْدَهَا، قَالَ مَنْ بَلَغَتْهُ الْأَخْبَارُ مِنْهُمْ: إِنَّ الْمُرَادَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا مَعَ جُزْءٍ مِنَ الرَّأْسِ ; كَالرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ النَّاصِيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>