الْقُبُلُ ; لِمُوَافَقَةِ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَلِأَنَّ شَرَجَ الدُّبُرِ لَا يُلْمَسُ عَادَةً، وَلَا هُوَ مَظِنَّةُ إِثَارَةِ الشَّهْوَةِ.
وَرُوِيَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِالْمَسِّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ، وَالْعِتْرَةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ فِي مُعَارَضَةِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ، حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: الرَّجُلُ يَمَسُّ ذَكَرَهُ أَعَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ فَقَالَ: " إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالطَّبَرَيُّ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَلَّاسِ، وَقَالَ: هُوَ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ عِنْدَنَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَأَنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ أَصَحُّ مِنْهُ وَأَقْوَى دَعَائِمَ ; لِمَا يُؤَيِّدُهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَ حَدِيثِ طَلْقٍ ; لِأَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ النَّقْضِ بِلَفْظِ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا يَنْقُضُ الْمَسُّ إِذَا كَانَ بِلَذَّةٍ، وَرَأَى الشَّعَرَانِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي الْمِيزَانِ، أَنَّ نَقْضَ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ عَزِيمَةٌ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوجِبُهُ عَلَى أَهْلِ الْعَزَائِمِ مِنَ الصَّحَابَةِ سُكَّانِ الْمَدِينَةِ، وَمِثْلُهَا سَائِرُ الْأَمْصَارِ الَّتِي يَسْهُلُ فِيهَا الْوُضُوءُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَعَدَمُ النَّقْضِ رُخْصَةٌ رَخَّصَ بِهَا لِلسَّائِلِ، وَكَانَ بَدَوِيًّا، وَعُلَمَاءُ الْأُصُولِ يَرُدُّونَ مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ بِأَنَّ أَحَادِيثَ النَّقْضِ وَرَدَتْ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الْإِبِلِ ; فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ النَّقْضِ بِهِ،
وَعَلَيْهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ، وَكَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْقَوْلُ بِالنَّقْضِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَكَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِنَسْخِهِ، وَلَا يُعْرَفُ حَدِيثٌ صَرِيحٌ مُثْبِتٌ لِلنَّسْخِ، وَلَكِنَّ عَمَلَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ إِذَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّسْخِ فَقَدْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا وَرَدَ فِي النَّقْضِ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمُحَدِّثُونَ حَدِيثِينَ فِيهِ؛ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَحَدِيثَ الْبَرَاءِ، فَغَيْرُ مَعْقُولٍ أَنْ يَعْرِفَ جَابِرٌ وَالْبَرَاءُ مَا يَجْهَلُهُ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ، وَمِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ.
وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ; أَيْ مِنْ أَكْلِ مَا طُبِخَ وَعُولِجَ بِالنَّارِ، قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْقُضُ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ: " تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ، وَمِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَالْعَبَادِلَةُ، إِلَّا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو لَمْ أَرَ عَنْهُ شَيْئًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ، وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ ; مِنْهَا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ: " أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute