عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، ثُمَّ قَامَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ "، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَأَكَلَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
(حِكْمَةُ شَرْعِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ) وَلَمَّا بَيَّنَ فَرْضَ الْوُضُوءِ وَفَرْضَ الْغُسْلِ، وَمَا يَحُلُّ مَحَلَّهُمَا عِنْدَ تَعَذُّرِهِمَا أَوْ تَعَسُّرِهِمَا؛ تَذْكِيرًا بِهِمَا وَمُحَافَظَةً عَلَى مَعْنَى التَّعَبُّدِ فِيهِمَا، وَهُوَ التَّيَمُّمُ - بَيَّنَ حِكْمَةَ شَرْعِهِمَا لَنَا، مُبْتَدِئًا بِبَيَانِ قَاعِدَةٍ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاعِدِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ، فَقَالَ: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) أَيْ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ فِيمَا شَرَعَهُ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا أَيْضًا حَرَجًا مَا ; أَيْ أَدْنَى ضِيقٍ وَأَقَلَّ مَشَقَّةٍ ; لِأَنَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْكُمْ، رَءُوفٌ رَحِيمٌ بِكُمْ، فَهُوَ لَا يَشْرَعُ لَكُمْ إِلَّا مَا فِيهِ الْخَيْرُ وَالنَّفْعُ
لَكُمْ (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) مِنَ الْقَذَرِ وَالْأَذَى، وَمِنَ الرَّذَائِلِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَالْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ ; فَتَكُونُوا أَنْظَفَ النَّاسِ أَبْدَانًا، وَأَزْكَاهُمْ نُفُوسًا، وَأَصَحَّهُمْ أَجْسَامًا، وَأَرْقَاهُمْ أَرْوَاحًا (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) بِالْجَمْعِ بَيْنَ طَهَارَةِ الْأَرْوَاحِ وَتَزْكِيَتِهَا، وَطَهَارَةِ الْأَجْسَادِ وَصِحَّتِهَا، فَإِنَّمَا الْإِنْسَانُ رُوحٌ وَجَسَدٌ، لَا تَكْمُلُ إِنْسَانِيَّتُهُ إِلَّا بِكَمَالِهِمَا مَعًا، فَالصَّلَاةُ تُطَهِّرُ الرُّوحَ، وَتُزَكِّي النَّفْسَ ; لِأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكِرِ، وَتُرَبِّي فِي الْمُصَلِّي مَلَكَةَ مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى وَخَشْيَتِهِ لَدَى الْإِسَاءَةِ، وَحُبِّهِ وَالرَّجَاءِ فِيهِ عِنْدَ الْإِحْسَانِ، وَتُذَكِّرُهُ دَائِمًا بِكَمَالِهِ الْمُطْلَقِ، فَتُوَجِّهُ هِمَّتَهُ دَائِمًا إِلَى طَلَبِ الْكَمَالِ (رَاجِعْ تَفْسِيرَ: (حَافَظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى) . (٢: ٢٣٨) فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ التَّفْسِيرِ) . وَالطَّهَارَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ تَعَالَى شَرْطًا لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَمُقْدِمَةً لَهَا، تُطَهِّرُ الْبَدَنَ وَتُنَشِّطُهُ ; فَيَسْهُلُ بِذَلِكَ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ مِنْ عِبَادَةٍ وَغَيْرِ عِبَادَةٍ، فَمَا أَعْظَمَ نِعْمَةَ اللهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ بِهَذَا الدِّينِ الْقَوِيمِ، وَمَا أَجْدَرَ مَنْ هَدَاهُ اللهُ إِلَيْهِ بِدَوَامِ الشُّكْرِ لَهُ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أَيْ وَلِيُعِدَّكُم بِذَلِكَ لِدَوَامِ شُكْرِهِ ; فَتَكُونُوا أَهْلًا لَهُ، وَيَكُونَ مَرْجُوًّا مِنْكُمْ لِتَحَقُّقِ أَسْبَابِهِ، وَدَوَامِ الْمُذَكِّرَاتِ بِهِ، فَتَعْنَوْا بِالطَّهَارَةِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، وَتَقُومُوا بِشُكْرِ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.
وَقَدِ اسْتُعْمِلَ لَفْظُ " الطَّهَارَةِ " فِي بَعْضِ الْآيَاتِ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ الْبَدَنِيَّةِ الْحِسِّيَّةِ، وَفِي بَعْضِهَا بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ النَّفْسِيَّةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، وَفِي بَعْضٍ آخَرَ بِالْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ، فَمِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute