للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ نَاتِجٌ مَنِ اشْتِبَاهِهِ بِلُوكْيُوسَ.

(قَالَ) : " وَمِنْ تَغْيِيرِ صِيغَةِ الْغَائِبِ إِلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي سِيَاقِ الْقِصَّةِ يُسْتَدَلُّ أَنَّ لُوقَا اجْتَمَعَ مَعَ بُولَسَ فِي تِرْوَاسَ (أَعِ ١٦: ١) وَذَهَبَ مَعَهُ إِلَى فِيلْبِي فِي سَفَرِهِ الثَّانِي، ثُمَّ اجْتَمَعَ مَعَهُ ثَانِيَةً فِي فِيلْبِي بَعْدَ عِدَّةِ سِنِينَ (أَعِ ٢٠: ٥ و٦) وَبَقِيَ مَعَهُ إِلَى أَنْ أُسِرَ وَأُخِذَ إِلَى رُومِيَّةَ (أَعِ ٢٨: ٣٠) وَلَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ مِنْ حَيَاتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

فَلْيَنْظُرِ الْقَارِئُ كَيْفَ يَسْتَنْبِطُونَ تَارِيخَهُ مِنْ أُسْلُوبِ عِبَارَتِهِ الَّتِي لَمْ تَصِلْ إِلَيْهِمْ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ، لَا صَحِيحَ وَلَا ضَعِيفَ، كَمَا اسْتَدَلُّوا عَلَى كَوْنِهِ إِيطَالِيًّا لَا فِلَسْطِينِيًّا مِنْ كَلَامِهِ عَنِ الْقُطْرَيْنِ ; ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ نَقْلٌ يَعْرِفُونَ بِهِ شَيْئًا عَنْ مُؤَسِّسِي دِينِهِمْ.

ثُمَّ قَالَ: " وَظَنَّ الْبَعْضُ أَنَّ لَفْظَةَ (إِنْجِيلَيْ) الْوَارِدَةَ فِي (٢: تِي ٢: ٨) تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بُولَسَ أَلَّفَ إِنْجِيلَ لُوقَا، وَأَنَّ لُوقَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا كَاتِبًا ".

ثُمَّ قَالَ: " وَقَدْ كُتِبَ هَذَا الْإِنْجِيلُ قَبْلَ خَرَابِ أُورْشَلِيمَ وَقَبْلَ الْأَعْمَالِ، وَيُرَجَّحُ أَنَّهُ كُتِبَ فِي قَيْصَرِيَّةَ فِي فِلَسْطِينَ مُدَّةَ أَسْرِ بُولَسَ سَنَةَ ٥٨ - ٦٠م، غَيْرَ أَنَّ الْبَعْضَ يَظُنُّونَ أَنَّهُ كُتِبَ قَبْلَ ذَلِكَ " انْتَهَى.

فَأَنْتَ تَرَى مِنَ التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ التَّرْجِيحِ وَالظَّنِّ، وَمِنَ الْخِلَافِ بَيْنَ سَنَةِ ٥١ و٥٣،

كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ و٥٨ و٦٠، كَمَا أَنَّهُ لَا عِلْمَ عِنْدَ الْقَوْمِ بِشَيْءٍ (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (٢: ٧٨) وَلَعَلَّ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ بُولَسَ هُوَ الَّذِي كَتَبَ هَذَا الْإِنْجِيلَ هُمُ الْمُصِيبُونَ ; لِمُشَابِهَةِ أُسْلُوبِهِ لِأُسْلُوبِ رَسَائِلِهِ، بِاعْتِرَافِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: وَمَا تَفْعَلُ بِتَحْرِيفِهِ؟ قُلْتُ: هُوَ كَتَحْرِيفِهَا، وَتَجِدُ فِيهِ مِثْلَ مَا تَجِدُ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ وَضْعِ بَعْضِ النَّاسِ لِأَنَاجِيلَ كَاذِبَةٍ، وَمَنْ لَنَا بِدَلِيلٍ يُثْبِتُ لَنَا صِدْقَهُ هُوَ؟ وَأَنَّى لَنَا بِتَمْيِيزِ هَذِهِ الْأَنَاجِيلِ، وَمَعْرِفَةِ صَادِقِهَا مَنْ كَاذِبِهَا؟

(إِنْجِيلُ يُوحَنَّا) تَقُولُ النَّصَارَى: إِنَّ يُوحَنَّا هَذَا هُوَ تِلْمِيذُ الْمَسِيحِ ابْنُ زُبْدَى وَسَالُومَهْ، وَيَقُولُ أَحْرَارُ الْمُؤَرِّخِينَ مِنْهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ، كَمَا فِي دَائِرَةِ الْمَعَارِفِ الْفَرَنْسِيَّةِ. وَيُرَجِّحُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مِنْ تَلَامِيذِ بُولَسَ أَيْضًا، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي تَارِيخِ كِتَابَتِهِ، وَهِيَ ٦٤ و٩٤ و٩٧، وَأَنَّهُ كَتَبَهُ بِالْيُونَانِيَّةِ لِيُثْبِتَ أُلُوهِيَّةَ الْمَسِيحِ، وَيَسُدَّ النَّقْصَ الَّذِي فِي الْأَنَاجِيلِ الثَّلَاثَةِ " إِجَابَةً لِرَغْبَةِ أَكْثَرِ الْأَسَاقِفَةِ وَنُوَّابِ كَنَائِسِ آسْيَا، وَإِلْحَاحِهِمْ عَلَيْهِ أَنْ يَبْقَى مِنْ بَعْدِهِ ذِكْرًا مُخَلَّدًا "، وَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ لَوْلَا هَذَا الْإِلْحَاحُ لَمْ يَكْتُبْ مَا كَتَبَ، وَإِذًا لَبَقِيَتْ أَنَاجِيلُهُمْ نَاقِصَةً، وَخَلَوْا مِنْ شُبْهَةٍ عَلَى عَقِيدَتِهِمُ الْمُعَقَّدَةِ الَّتِي لَا تُعْقَلُ ; إِذْ لَا تَجِدُ الشُّبْهَةَ عَلَيْهَا إِلَّا فِي هَذَا الْإِنْجِيلِ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ الْأَنَاجِيلِ تَنَاقُضًا، وَنَاهِيكَ بِجَمْعِهِ بَيْنَ الْوَثَنِيَّةِ وَالتَّوْحِيدِ، وَقَوْلِهِ عَنِ الْمَسِيحِ إِنَّهُ إِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ فَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، ثُمَّ قَوْلِهِ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِنَفْسِهِ فَشَهَادَتُهُ لَيْسَتْ حَقًّا، إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>