وَقَالَ الدُّكْتُورُ بوستُ: " وَيُظَنُّ أَنَّهُ كُتِبَ فِي أَفْسَسَ بَيْنَ سَنَةِ ٧٠ و٩٥ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى عُلَمَاءِ أُورُبَّا الْأَحْرَارِ مَا نَصُّهُ: " وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْكُفَّارِ قَانُونِيَّةَ هَذَا الْإِنْجِيلِ ; لِكَرَاهَتِهِمْ تَعْلِيمَهُ الرُّوحِيَّ، وَلَا سِيَّمَا تَصْرِيحَهُ الْوَاضِحَ بِلَاهُوتِ الْمَسِيحِ، غَيْرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِصِحَّتِهِ كَافِيَةٌ، فَإِنَّ بُطْرُسَ يُشِيرُ إِلَى آيَةٍ مِنْهُ (٢ بط ١: ١٤ قابل يو ٢١: ١٨) وَأَغْنَاطْيُوسَ وَبُولِيكْرِيسَ يَقْتَطِفَانِ مِنْ رُوحِهِ وَفَحْوَاهُ، وَكَذَلِكَ الرِّسَالَةُ إِلَى دِيُوكْنِيتْسَ، وَبَاسِيلِدْسَ وَجُوسْتِينِسَ الشَّهِيدِ وَتَانْيَانْسَ. وَهَذِهِ الشَّوَاهِدُ يَرْجِعُ بِنَا زَمَانُهَا إِلَى مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الثَّانِي، وَبِنَاءً عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَعَلَى نَفْسِ كِتَابَتِهِ الَّذِي يُوَافِقُ مَا نَعْلَمُهُ مِنْ سِيرَةِ يُوحَنَّا، نَحْكُمُ أَنَّهُ مِنْ قَلَمِهِ، وَإِلَّا فَكَاتِبُهُ مِنَ الْمَكْرِ وَالْغِشِّ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ، وَهَذَا الْأَمْرُ يَعْسُرُ
تَصْدِيقُهُ ; لِأَنَّ الَّذِي يَقْصِدُ أَنْ يَغُشَّ الْعَالَمَ لَا يَكُونُ رُوحِيًّا، وَلَا يَتَّصِلُ إِلَى عُلُوِّ وَعُمْقِ الْأَفْكَارِ وَالصَّلَوَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ، وَإِذَا قَابَلْنَاهُ بِمُؤَلَّفَاتِ الْآبَاءِ رَأَيْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَوْنًا عَظِيمًا، حَتَّى نَضْطَرَّ لِلْحُكْمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَأْلِيفٍ كَهَذَا، بَلْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ التَّلَامِيذِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا يُوحَنَّا، وَيُوحَنَّا ذَاتُهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَأْلِيفَهُ بِدُونِ إِلْهَامٍ مِنْ رَبِّهِ " انْتَهَى.
أَقُولُ: إِنَّ مِنْ عَجَائِبِ الْبَشَرِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ، أَوْ يَنْقُلَهُ مُتَعَمِّدًا لَهُ، عَالَمٌ طَبِيبٌ كَالدُّكْتُورِ بوستَ! فَإِنَّهُ كَلَامٌ لَا يَخْفَى بُطْلَانُهُ وَتَهَافُتُهُ عَلَى الصِّبْيَانِ، وَلَا أَعْقِلُ لَهُ تَعْلِيلًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ تَصَنُّعًا وَغِشًّا ; لِإِرْضَاءِ عَامَّةِ النَّصَارَى، لَا لِإِرْضَاءِ اعْتِقَادِهِ وَوِجْدَانِهِ، أَوْ يَكُونَ التَّقْلِيدُ الدِّينِيُّ مِنَ الصِّغَرِ قَدْ رَانَ عَلَى قَلْبِ الْكَاتِبِ، فَسَلَبَهُ عَقْلَهُ وَاسْتِقْلَالَهُ وَفَهْمَهُ فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ دِينِهِ. وَإِلَيْكَ الْبَيَانُ بِالْإِيجَازِ: إِنَّ الدُّكْتُورَ بوستَ مِنْ أَعْلَمِ الْأُورُوبِّيِّينَ الَّذِينَ خَدَمُوا دِينَهُمْ فِي سُورِيَّةَ، وَأَوْسَعِهِمُ اطِّلَاعًا، وَهُوَ يُلَخِّصُ فِي قَامُوسِهِ هَذَا أَقْوَى مَا بَسَطَهُ عُلَمَاءُ اللَّاهُوتِ فِي إِثْبَاتِ دِينِهِمْ وَكُتُبِهِمْ وَرَدِّ اعْتِرَاضَاتِ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهَا. فَإِذَا كَانَ هَذَا مُنْتَهَى شَوْطِهِمْ فِي إِثْبَاتِ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، الَّذِي هُوَ عُمْدَتُهُمْ فِي عَقِيدَةِ تَأْلِيهِ الْمَسِيحِ ; فَمَا هُوَ الظَّنُّ بِكَلَامِ الْمُؤَرِّخِينَ الْأَحْرَارِ، وَالْعُلَمَاءِ الْمُسْتَقِلِّينَ فِي إِبْطَالِ هَذَا الْإِنْجِيلِ؟ !
ابْتَدَأَ رَدَّهُ عَلَى مُنْكِرِي هَذَا الْإِنْجِيلِ بِأَنَّ بُطْرُسَ أَشَارَ إِلَى آيَةٍ مِنْهُ فِي رِسَالَتِهِ الثَّانِيَةِ، فَهَذَا أَقْوَى بُرْهَانٍ عِنْدَهُمْ عَلَى كَوْنِ هَذَا الْإِنْجِيلِ كُتِبَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ.
فَأَوَّلُ مَا تَقُولُهُ فِي رَدِّ هَذَا الدَّلِيلِ الْوَهْمِيِّ أَنَّ رِسَالَةَ بُطْرُسَ الثَّانِيَةَ كُتِبَتْ فِي بَابِلَ سَنَةَ ٦٤ و٦٨ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ كِتَابِ (مُرْشِدِ الطَّالِبِينَ إِلَى الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ الثَّمِينِ) وَإِنْجِيلُ يُوحَنَّا كُتِبَ سَنَةَ ٩٥ أَوْ ٩٨ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ بوستُ وَصَاحِبُ هَذَا الْكِتَابِ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ طَائِفَتِهِمُ (الْبُرُوتِسْتَانْتِ) فَهُوَ قَدْ أُلِّفَ بَعْدَ كِتَابَةِ رِسَالَةِ بُطْرُسَ بِثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ عَلَى رَأْيِهِمْ، فَإِذَا وَافَقَهَا فِي شَيْءٍ فَأَوَّلُ مَا يَخْطُرُ فِي بَالِ الْعَاقِلِ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْهَا، وَإِنْ أُلِّفَ بَعْدَهَا بِعِدَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute