تَوْحِيدِ اللهِ تَعَالَى، وَسَمَّوْا تِلْكَ الْغَرَائِبَ بِالْآيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَقَالُوا: إِنِ اللهَ تَعَالَى قَدْ يُؤَيِّدُ بِهَا أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، فَلِمَاذَا خَرَجْتُمْ أَيُّهَا النَّصَارَى عَنْ سُنَّةِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، وَاتَّبَعْتُمْ سُنَّةَ الْوَثَنِيِّينَ، كَقُدَمَاءِ الْهُنُودِ وَالْمِصْرِيِّينَ، الَّذِينَ جَعَلُوا غَرَابَةَ خَلْقِ مُقَدَّسِيهِمْ وَغَرَابَةَ بَعْضِ أَفْعَالِهِمْ دَلِيلًا عَلَى أُلُوهِيَّتِهِمْ وَرُبُوبِيَّتِهِمْ؟ (وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فَكُلُّ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ مَشِيئَتُهُ يَنْفُذُ بِقُدْرَتِهِ، وَإِنَّمَا يُعَدُّ بَعْضُ خَلْقِهِ غَرِيبًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْبَشَرِ النَّاقِصِ، لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ غَرَابَةُ بَعْضِ أَفْعَالِهِمْ، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَنْ عِلْمٍ كَسْبِيٍّ يَجْهَلُهُ غَيْرُهُمْ، أَوْ قُوَّةٍ نَفْسِيَّةٍ لَمْ يَبْلُغْهَا سِوَاهُمْ، أَوْ تَأْيِيدٍ رَبَّانِيٍّ لَا صُنْعَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا تَأْثِيرَ.
رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ أُبَيٍّ وَبَحْرِيُّ بْنُ عَمْرٍو وَشَاسُ بْنُ عَدِيٍّ، فَكَلَّمَهُمْ وَكَلَّمُوهُ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللهِ وَحَذَّرَهُمْ نِقْمَتَهُ، فَقَالُوا: مَا تُخَوِّفُنَا يَا مُحَمَّدُ؟
نَحْنُ وَاللهِ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، كَقَوْلِ النَّصَارَى. فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِمْ (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَمَنْ قَرَأَ كُتُبَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى رَأَى فِيهَا لَقَبَ " ابْنِ اللهِ " قَدْ أُطْلِقَ عَلَى آدَمَ.
(انْظُرْ إِنْجِيلَ لُوقَا ٣: ٣٨) وَعَلَى يَعْقُوبَ وَدَاوُدَ مَعَ لَقَبِ الْبِكْرِ (انْظُرْ سِفْرَ الْخُرُوجِ ٤: ٢٢ و٢٣ وَالْمَزْمُورَ ٩٨: ٢٦ و٢٧) وَكَذَا عَلَى إِفْرَامَ (انْظُرْ نُبُوَّةَ أَرْمِيَاءَ ٣١: ٩) وَعَلَى الْمَسِيحِ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلَكِنْ مَعَ لَقَبِ الْحَبِيبِ ; فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِكَلِمَةِ ابْنٍ، وَأُطْلِقَ مَجْمُوعًا عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ كَثِيرٌ فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ، وَمِنْهُ مَا حَكَاهُ مَتَّى فِي وَعْظِ الْمَسِيحِ عَلَى الْجَبَلِ (٥: ٩ طُوبَى لِصَانِعِي السَّلَامِ ; لِأَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ يُدْعَوْنَ) وَقَالَ بُولَسُ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلٍ رُومِيَّةَ (٨: ١٤ لِأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ) وَجَاءَ فِي سِيَاقِ الْمُنَاظَرَةِ بَيْنَ الْمَسِيحِ وَالْيَهُودِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا، مَا نَصُّهُ: (٨: ٤١ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا، لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ اللهُ ٤٢ فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لَوْ كَانَ اللهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، إِلَى أَنْ قَالَ - ٤٤ أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ، هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتُ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا) وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مَا جَاءَ فِي الرِّسَالَةِ الْأُولَى، مِنْ رِسَالَتَيْ يُوحَنَّا (٣: ٩ كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لَا يَفْعَلُ خَطِيئَةً ; لِأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ ; لِأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ ١٠ بِهَذَا أَوْلَادُ اللهِ ظَاهِرُونَ، وَأَوْلَادُ إِبْلِيسَ) فَعُلِمَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ وَأَشْبَاهِهَا أَنَّ لَفْظَ " ابْنِ اللهِ " يُسْتَعْمَلُ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ بِمَعْنَى حَبِيبِ اللهِ الَّذِي يُعَامِلُهُ اللهُ مُعَامَلَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ وَالتَّكْرِيمِ، فَعَطَفَ أَحِبَّاءَ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ اللهِ لِلتَّفْسِيرِ وَالْإِيضَاحِ؛ وَإِنَّمَا تَحَكَّمَ النَّصَارَى بِهَذَا اللَّقَبِ فَجَعَلُوهُ بِمَعْنَى الِابْنِ الْحَقِيقِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَسِيحِ، وَبِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَمَعْنَى الِابْنِ الْحَقِيقِيِّ مُحَالٌ عَلَى اللهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَلَدِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ تَلْقِيحِ الرَّجُلِ بِمَائِهِ لِبَعْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute