للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحَتَّى مَتَى لَا يُصَدِّقُونَنِي بِجَمِيعِ الْآيَاتِ الَّتِي عَمِلْتُ فِي وَسَطِهِمْ؟ ١٢ إِنِّي أَضْرِبُهُمْ بِالْوَبَاءِ وَأُبِيدُهُمْ، وَأُصَيِّرُكَ شَعْبًا أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْهُمْ) فَشَفَعَ مُوسَى فِيهِمْ لِئَلَّا يَشْمَتَ بِهِمُ الْمِصْرِيُّونَ وَبِهِ، فَقَبِلَ الرَّبُّ شَفَاعَتَهُ، ثُمَّ قَالَ (٢٢ إِنَّ جَمِيعَ الرِّجَالِ الَّذِينَ رَأَوْا مَجْدِي وَآيَاتِي الَّتِي عَمِلْتُهَا فِي مِصْرَ وَفِي الْبَرِّيَّةِ، وَجَرَّبُونِي الْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلِي ٢٣ لَنْ يَرَوُا الْأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لِآبَائِهِمْ، وَجَمِيعُ الَّذِينَ أَهَانُونِي لَا يَرَوْنَهَا) وَاسْتَثْنَى الرَّبُّ كَالِبَ فَقَطْ، ثُمَّ قَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ (٢٧ حَتَّى مَتَى أَغْفِرُ لِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَذَمِّرَةِ عَلَيَّ؟ قَدْ سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي يَتَذَمَّرُونَهُ عَلَيَّ ٢٨ قُلْ لَهُمْ " حَيٌّ أَنَا " يَقُولُ الرَّبُّ لَأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ فِي أُذُنِي ٢٩ فِي هَذَا الْقَفْرِ تَسْقُطُ جُثَثُكُمْ. جَمِيعُ الْمَعْدُودِينَ مِنْكُمْ حَسَبَ عَدَدِكُمْ، مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا، الَّذِينَ تَذَمَّرُوا عَلَيَّ ٣٠ لَنْ تَدْخُلُوا الْأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي لَأُسْكِنَنَّكُمْ فِيهَا مَا عَدَا كَالِبَ بْنَ يَفُنَةَ وَيَشُوعَ بْنَ نُونٍ ٣١ وَأَمَّا أَطْفَالُكُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ إِنَّهُمْ يَكُونُونَ غَنِيمَةً فَإِنِّي سَأُدْخِلُهُمْ، فَيَعْرِفُونَ الْأَرْضَ الَّتِي

احْتَقَرْتُمُوهَا ٣٢ فَجُثَثُكُمْ أَنْتُمْ تَسْقُطُ فِي هَذَا الْقَفْرِ ٣٣، وَبَنُوكُمْ يَكُونُونَ رُعَاةً فِي الْقَفْرِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَيَحْمِلُونَ فُجُورَكُمْ حَتَّى تَفْنَى جُثَثُكُمْ فِي الْقَفْرِ ٣٤ كَعَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَجَسَّسْتُمْ فِيهَا الْأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِلسَّنَةِ يَوْمٌ تَحْمِلُونَ ذُنُوبَكُمْ ; أَيْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَتَعْرِفُونَ ابْتِعَادِي ٣٥ أَنَا الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمْتُ لَأَفْعَلَنَّ هَذَا بِكُلِّ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَّفِقَةِ عَلَيَّ، فِي هَذَا الْقَفْرِ يَفْنَوْنَ، وَفِيهِ يَمُوتُونَ) .

لَا نَبْحَثُ هُنَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَاتِ الَّتِي أَثْبَتْنَاهَا، وَلَا فِي تَرْكِ مَا تَرَكْنَاهُ مِنَ الْفَصْلِ فِي مَوْضُوعِهَا، لَا مِنْ حَيْثُ التَّكْرَارِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ الِاخْتِلَافِ وَالتَّعَارُضِ، وَلَا مِنْ حَيْثُ تَنْزِيهِ الرَّبِّ تَعَالَى وَلَا نَبْحَثُ عَنْ كَاتِبِ هَذِهِ الْأَسْفَارِ بَعْدَ سَبْيِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ وَإِنَّمَا نَكْتَفِي بِمَا ذَكَرْنَاهُ شَاهِدًا، وَنَقُولُ كَلِمَةً فِي حِكْمَةِ هَذَا الْعِقَابِ، تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَهِيَ:

إِنَّ الشُّعُوبَ الَّتِي تَنْشَأُ فِي مَهْدِ الِاسْتِبْدَادِ، وَتُسَاسُ بِالظُّلْمِ وَالِاضْطِهَادِ، تَفْسُدُ أَخْلَاقُهَا، وَتَذِلُّ نُفُوسُهَا، وَيَذْهَبُ بِأْسُهَا، وَتُضْرَبُ عَلَيْهَا الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ، وَتَأْلَفُ الْخُضُوعَ، وَتَأْنَسُ بِالْمَهَانَةِ وَالْخُنُوعِ، وَإِذَا طَالَ عَلَيْهَا أَمَدُ الظُّلْمِ تَصِيرُ هَذِهِ الْأَخْلَاقُ مَوْرُوثَةً وَمُكْتَسَبَةً حَتَّى تَكُونَ كَالْغَرَائِزِ الْفِطْرِيَّةِ، وَالطَّبَائِعِ الْخِلْقِيَّةِ. إِذَا أَخْرَجْتَ صَاحِبَهَا مِنْ بِيئَتِهَا وَرَفَعْتَ عَنْ رَقَبَتِهِ نِيرَهَا، أَلْفَيْتَهُ يَنْزِعُ بِطَبْعِهِ إِلَيْهَا، وَيَتَفَلَّتُ مِنْكَ لِيَتَقَحَّمَ فِيهَا، وَهَذَا شَأْنُ الْبَشَرِ فِي كُلِّ مَا يَأْلَفُونَهُ، وَيَجْرُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَإِيمَانٍ وَكُفْرٍ، وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلًا لِهِدَايَتِهِ وَضَلَالِ الرَّاسِخِينَ فِي الْكُفْرِ مِنْ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ " مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>