للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ اللهَ تَعَالَى بِمَخْلُوقٍ، لَا بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ، لَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَلَا غَيْرِهِ. وَحَدِيثُ الْأَعْمَى سَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَلَوْ كَانَ السُّؤَالُ بِهِ مَعْرُوفًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ

لَقَالُوا لِعُمَرَ: إِنِ السُّؤَالَ وَالتَّوَسُّلَ بِهِ أَوْلَى مِنَ السُّؤَالِ وَالتَّوَسُّلِ بِالْعَبَّاسِ، فَلِمَ نَعْدِلُ عَنِ الْأَمْرِ الْمَشْرُوعِ الَّذِي كُنَّا نَفْعَلُهُ فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِأَفْضَلِ الْخَلْقِ، إِلَى أَنْ نَتَوَسَّلَ بِبَعْضِ أَقَارِبِهِ؟ وَفِي ذَلِكَ تَرْكُ السُّنَّةِ الْمَشْرُوعَةِ، وَعُدُولٌ عَنِ الْأَفْضَلِ، وَسُؤَالُ اللهِ تَعَالَى بِأَضْعَفِ السَّبَبَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى أَعْلَاهُمَا، وَنَحْنُ مُضْطَرُّونَ غَايَةَ الِاضْطِرَارِ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْجَدْبِ، وَالَّذِي فَعَلَهُ عُمَرُ فَعَلَ مِثْلَهُ مُعَاوِيَةُ بِحَضْرَةِ مَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَتَوَسَّلُوا بِيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْجُرَشِيِّ، كَمَا تَوَسَّلَ عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ.

" وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُتَوَسَّلُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِدُعَاءِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ مِنْ أَقَارِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَفْضَلُ، اقْتِدَاءً بِعُمَرَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يُسْأَلُ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ بِمَخْلُوقٍ ; لَا بِنَبِيٍّ وَلَا بِغَيْرِ نَبِيٍّ.

" وَكَذَلِكَ مَنْ نَقَلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ جَوَّزَ سُؤَالَ الرَّسُولِ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، أَوْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ مَالِكٍ ; كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا - فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّ بَعْضَ الْجُهَّالِ يَنْقُلُ هَذَا، وَيَسْتَنِدُ إِلَى حِكَايَةٍ مَكْذُوبَةٍ عَنْ مَالِكٍ، وَلَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَمْ يَكُنِ التَّوَسُّلُ الَّذِي فِيهَا هُوَ هَذَا، بَلْ هُوَ التَّوَسُّلُ بِشَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَكِنْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُحَرِّفُ نَقْلَهَا، وَأَصْلُهَا ضَعِيفٌ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى " انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِيطَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِلْمًا تَفْصِيلِيًّا فَلْيَقْرَأْ كِتَابَ (قَاعِدَةٌ جَلِيلَةٌ فِي التَّوَسُّلِ وَالْوَسِيلَةِ) كُلَّهُ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ الْجُمْلِيُّ الْجَامِعُ فَهُوَ أَنَّ الْوَسِيلَةَ مَا تَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَتَرْجُو أَنْ تَصِلَ بِهِ إِلَى مَرْضَاتِهِ، وَهُوَ مَا شَرَعَهُ لَكَ لِتَزْكِيَةِ نَفْسِكَ؛ إِذْ جَعَلَ مَدَارَ الْفَلَاحِ عَلَى تَزْكِيَتِهَا. وَالتَّوَسُّلُ هُوَ ابْتِغَاءُ الْوَسِيلَةِ، الْمَأْمُورُ بِهِ هُنَا ; أَيِ الْعَمَلُ بِالْمَشْرُوعِ لِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَقَدْ دَلَّ كِتَابُ اللهِ فِي جُمْلَتِهِ وَتَفْصِيلِهِ عَلَى أَنَّ مَدَارَ النَّجَاةِ وَالْفَلَاحِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) (٥٣: ٣٩ - ٤١) (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) (٢٠: ١٥) (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

(٢٧: ٩٠) . نَعَمْ، دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِ لِغَيْرِهِ قَدْ يَنْفَعُهُ، لَكِنْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا اللهَ وَسَأَلَهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَ أُمَّتِهِ بَيْنَهَا فَلَمْ يُعْطِهِ ذَلِكَ، وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَرِيصًا عَلَى إِيمَانِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَّ اللهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>