للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعَبْدُ وَيَنْدَمْ وَيَتُبْ يَتُبِ الرَّبُّ عَلَيْهِ، وَبِأَنَّهُ هُوَ الرَّحِيمُ بِعِبَادِهِ مَهْمَا يُسِئْ أَحَدُهُمْ بِمَا هُوَ سَبَبٌ لِغَضَبِهِ - تَعَالَى - وَيَرْجِعْ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحُفُّهُ بِرَحْمَتِهِ. وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي هُبُوطِ آدَمَ وَحَوَّاءَ مِنْ تَعْيِينِ الْأَمْكِنَةِ فَهُوَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْبَاطِلَةِ.

وَبَقِيَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مَسْأَلَتَانِ قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَهُمَا: مَسْأَلَةُ خَلْقِ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ، وَمَسْأَلَةُ عِصْمَةِ آدَمَ.

فَأَمَّا الْأُولَى فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ فِيهَا وَلَا يَلْزَمُنَا حَمْلُ قَوْلِهُ - تَعَالَى -: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) عَلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ مُطَابَقَةِ سِفْرِ التَّكْوِينِ، فَإِنَّ الْقِصَّةَ لَمْ تَرِدْ فِي الْقُرْآنِ كَمَا وَرَدَتْ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي فِي أَيْدِي أَهْلِ الْكِتَابِ - حِكَايَةً تَارِيخِيَّةً - وَإِنَّمَا جَاءَ الْقُرْآنُ بِمَوْضِعِ الْعِبْرَةِ فِي خَلْقِ آدَمَ وَاسْتِعْدَادِ الْكَوْنِ لِأَنْ يَتَكَمَّلَ بِهِ، وَكَوْنِهِ قَدْ أُعْطِيَ اسْتِعْدَادًا فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لَا نِهَايَةَ لَهُمَا لِيُظْهِرَ حُكْمَ اللهِ وَيُقِيمَ سُنَنَهُ فِي الْأَرْضِ فَيَكُونَ خَلِيفَةً لَهُ، وَكَوْنِهِ لَا يَسْلَمُ مِنْ دَاعِيَةِ الشَّرِّ وَالتَّأَثُّرِ بِالْوَسْوَسَةِ الَّتِي تَحْمِلُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَلِكَوْنِ التَّارِيخِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لَهُ لِأَنَّ مَسَائِلَهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَارِيخٌ لَيْسَتْ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ مِنْ حَيْثُ هُوَ دِينٌ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ الدِّينُ مِنَ التَّارِيخِ إِلَى وَجْهِ الْعِبْرَةِ دُونَ غَيْرِهِ، لَمْ يُبَيَّنِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ كَمَا بُيِّنَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ، وَكَانَ بَيَانُهُمَا سَبَبًا لِرَفْضِ الْبَاحِثِينَ فِي الْكَوْنِ وَتَارِيخِ الْخَلِيقَةِ لِدِّينِ

النَّصْرَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ الْمَبْنِيَّ عَلَى الِاخْتِبَارِ وَالْمُشَاهَدَةِ أَظْهَرَ خَطَأَ مَا جَاءَ مِنَ التَّارِيخِ فِي التَّوْرَاةِ، وَوُجِدَتْ لِلْإِنْسَانِ آثَارٌ فِي الْأَرْضِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَقْدَمُ مِمَّا حَدَّدَتْهُ التَّوْرَاةُ فِي تَارِيخِ تَكْوِينِهِ، فَقَامَ فَرِيقٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَرْكَبُ التَّعَاسِيفَ فِي التَّأْوِيلِ، وَفَرِيقٌ يَكْفُرُ بِالْكِتَابِ وَالتَّنْزِيلِ.

(أَقُولُ) فَإِنْ قُلْتَ: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي تَعْلِيلِ التَّوْصِيَةِ بِالنِّسَاءِ: ((فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ)) قُلْنَا: إِنَّهُ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ) (٢١:٣٧) كَمَا قَالُوا فِي شَرْحِهِ - وَسَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الْقِصَّةِ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ - وَلَمْ يَتَعَرَّضْ شَيْخُنَا فِي الدَّرْسِ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) وَلَكِنَّهُ كَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَبْلُ مَا سَتَرَاهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ مَا نَصُّهُ:

(وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (٤: ١) وَفِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (٧: ١٨٩) فَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الْمَعْنَى مِنْ جِنْسِهَا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الرُّومِ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (٣٠: ٢١) فَإِنَّ الْمَعْنَى هُنَاكَ عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ أَزْوَاجًا مِنْ جِنْسِنَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ زَوْجَةٍ مَنْ بِدَنِ زَوْجِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ) .

(قَالَ) : وَأَمَّا عِصْمَةُ آدَمَ فَالْجَرْيُ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَفِ يَذْهَبُ بِنَا إِلَى أَنَّ الْعِصْيَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>