للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَحِمَهُ اللهُ حَيْثُ أَوْجَبَ الْقِيمَةَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّيْدُ الْمَقْتُولُ مِثْلِيًّا أَوْ غَيْرَ مِثْلِيٍّ، قَالَ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ، إِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى بِهِ هَدْيًا، وَالَّذِي حَكَمَ بِهِ الصَّحَابَةُ فِي الْمَثَلِ لَأَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا فِي النَّعَامَةِ بِبَدَنَةٍ، وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بِبَقَرَةٍ، وَفِي الْغَزَالِ بِعَنَزٍ وَذِكْرُ قَضَايَا الصَّحَابَةِ وَأَسَانِيدِهَا مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الصَّيْدُ مِثْلِيًّا فَقَدْ حَكَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ بِثَمَنِهِ يُحْمَلُ إِلَى مَكَّةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) يَعْنِي أَنَّهُ يَحْكُمُ بِالْجَزَاءِ بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِ عَدْلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَاتِلِ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا، لِأَنَّهُ قَدْ يُتَّهَمُ فِي حُكْمِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، (وَالثَّانِي) نَعَمْ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَكُونُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو نَعِيمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ هُوَ ابْنُ بُرْقَانَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ " أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ صَيْدًا وَأَنَا مُحْرِمٌ فَمَا تَرَى عَلَيَّ مِنَ الْجَزَاءِ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَهُ: مَا تَرَى فِيمَا قَالَ الْأَعْرَابِيُّ؟ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَتَيْتُكَ وَأَنْتَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُكَ وَأَنْتَ تَسْأَلُ غَيْرَكَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا تُنْكِرُ؟ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) شَاوَرْتُ صَاحِبِي إِذَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَمْرٍ أَمَرْنَاكَ بِهِ " وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ لَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ مَيْمُونٍ وَالصِّدِّيقِ، وَمِثْلُهُ يُحْتَمَلُ هَهُنَا فَبَيَّنَ لَهُ الصِّدِّيقُ الْحُكْمَ بِرِفْقٍ وَتُؤَدَةٍ لَمَّا رَآهُ أَعْرَابِيًّا جَاهِلًا، وَإِنَّمَا دَوَاءُ الْجَهْلِ التَّعَلُّمُ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُعْتَرِضُ مَنْسُوبًا إِلَى الْعِلْمِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: " خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَكُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا الْغَدَاةَ أَقَدْنَا رَوَاحِلَنَا فَنَتَمَاشَى نَتَحَدَّثُ، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ ذَاتَ غَدَاةٍ إِذْ سَنَحَ لَنَا ظَبْيٌ أَوْ بَرِحَ، رَمَاهُ رَجُلٌ كَانَ مَعَنَا بِحَجَرٍ فَمَا أَخْطَأَ حَشَاهُ، فَرَكِبَ وَوَدَّعَهُ مَيِّتًا، قَالَ: فَعَظَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ خَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، قَالَ: وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ قَلْبُ فِضَّةٍ، يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَالْتَفَتَ عُمَرُ إِلَى صَاحِبِهِ فَكَلَّمَهُ

قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ: أَعَمْدًا قَتَلْتَهُ أَمْ خَطَأً؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ تَعَمَّدْتُ رَمْيَهُ وَمَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلَّا أَشْرَكْتَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، اعْمِدْ إِلَى شَاةٍ فَاذْبَحْهَا وَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا وَانْتَفَعْ بِإِهَابِهَا، قَالَ: فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: أَيُّهَا الرَّجُلُ عَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَمَا دَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>