للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالِاعْتِبَارِ بِالتَّجَارِبِ وَالْحِكَمِ، فَلَا يُفِيدُهُمْ وَعْظُ وَاعِظٍ وَلَا تَذْكِيرُ مُذَكِّرٍ، بَلْ لَا يَعْتَبِرُونَ بِمَا يَرَوْنَ بِأَعْيُنِهِمْ وَيَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ مِنْ حَوَادِثِ الْأَغْنِيَاءِ الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَمْوَالُهُمُ الْكَثِيرَةُ الْمَجْمُوعَةُ مِنَ الْحَرَامِ، وَلَا مِنْ عَوَاقِبِ الْأُمَمِ وَالدُّوَلِ الَّتِي اضْمَحَلَّتْ كَثْرَتُهَا الْعَاطِلَةُ مِنْ فَضِيلَتَيِ الْعِلْمِ وَالنِّظَامِ، وَكَيْفَ وَرِثَ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ مَنْ كَانُوا أَقَلَّ مَالًا وَرِجَالًا، إِذْ كَانُوا أَفْضَلَ أَخْلَاقًا وَأَعْمَالًا (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) .

ورُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبِيثِ هُنَا الْمُشْرِكُونَ وَبِالطَّيِّبِ الْمُؤْمِنُونَ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " لَدِرْهَمٌ حَلَالٌ أَتَصَدَّقُ بِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَرَامٍ فَإِنْ شِئْتُمْ فَاقْرَءُوا كِتَابَ اللهِ: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِسْكَنْدَرَانِيِّ قَالَ: كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْضُ عُمَّالِهِ يَذْكُرُ أَنَّ الْخَرَاجَ قَدِ انْكَسَرَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: " إِنَّ اللهَ يَقُولُ: (لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ فِي الْعَدْلِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْإِحْسَانِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ فِي الظُّلْمِ وَالْفُجُورِ وَالْعُدْوَانِ فَافْعَلْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) .

فَهَذِهِ الْآيَةُ قَاعِدَةٌ فِي التَّشْرِيعِ وَبُرْهَانٌ لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ وَأَصْلٌ لِلْأَدَبِ وَالتَّهْذِيبِ.

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ

تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) .

قَالَ الرَّازِيُّ: فِي اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وُجُوهٌ:

(الْأَوَّلُ) أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ) صَارَ التَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: مَا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ إِلَيْكُمْ فَخُذُوهُ وَكُونُوا مُنْقَادِينَ لَهُ، وَمَا لَمْ يُبَلِّغْهُ الرَّسُولُ إِلَيْكُمْ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهُ وَلَا تَخُوضُوا فِيهِ، فَإِنَّكُمْ إِنْ خُضْتُمْ فِيمَا لَا تَكْلِيفَ فِيهِ عَلَيْكُمْ فَرُبَّمَا جَاءَكُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْخَوْضِ الْفَاسِدِ مِنَ التَّكَالِيفِ مَا يَثْقُلُ وَيَشُقُّ عَلَيْكُمْ.

(الثَّانِي) أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ) وَهَذَا ادِّعَاءٌ مِنْهُ لِلرِّسَالَةِ ثُمَّ إِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يُطَالِبُونَهُ بَعْدَ ظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ بِمُعْجِزَاتٍ أُخْرَى عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>