مَا هُوَ عَامٌّ وَمَا هُوَ خَاصٌّ، مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ الَّذِي أَرْسَلَهُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا أَخِيسُ
بِالْعَهْدِ وَلَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِي نَفْسِكَ الْآنَ فَارْجِعْ، فَذَهَبَ ثُمَّ عَادَ فَأَسْلَمَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَأَبِي حَسَلٍ اللَّذَيْنِ أَخَذَهُمَا الْمُشْرِكُونَ فَلَمْ يُطْلِقُوهُمَا إِلَّا بَعْدَ أَنْ أَخَذُوا عَلَيْهِمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَيَنْصَرِفَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَا يُقَاتِلَانِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ قُبَيْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، فَلَمَّا أَخْبَرَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَ: " انْصَرَفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ " فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا بِالْقِتَالِ مَعَهُ. وَقَدِ اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَامَ عَلَى مَسْأَلَةِ الشُّرُوطِ فِي تَفْسِيرِ: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٥: ١) مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ.
(بَيَانُ مَا أَخْطَأَ فِيهِ مُثْبِتُو الْقِيَاسِ) .
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ بَيَّنَ أَنْوَاعَ الْخَطَأِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ مُثْبِتُو الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَفَّى عَلَى ذَلِكَ بِمَا هُوَ فَصْلُ الْخِطَابِ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ:
(فَصْلٌ) وَأَمَّا أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَعْتَنُوا بِالنُّصُوصِ وَلَمْ يَعْتَقِدُوهَا وَافِيَةً بِالْأَحْكَامِ وَلَا شَامِلَةً لَهَا، وَغُلَاتُهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَفِ بِعُشْرِ مِعْشَارِهَا فَوَسَّعُوا طُرُقَ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ وَقَالُوا بِقِيَاسِ الشَّبَهِ، وَعَلَّقُوا الْأَحْكَامَ بِأَوْصَافٍ لَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَهَا بِهَا، وَاسْتَنْبَطُوا عِلَلًا لَا يُعْلَمُ أَنَّ الشَّارِعَ شَرَعَ الْأَحْكَامَ لِأَجْلِهَا، ثُمَّ اضْطَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ عَارَضُوا بَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ النُّصُوصِ وَالْقِيَاسِ، ثُمَّ اضْطَرَبُوا فَتَارَةً يُقَدِّمُونَ الْقِيَاسَ وَتَارَةً يُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّصِّ الْمَشْهُورِ وَغَيْرِ الْمَشْهُورِ، وَاضْطَرَّهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَى أَنِ اعْتَقَدُوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ أَنَّهَا شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَكَانَ خَطَؤُهُمْ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ.
" الْأَوَّلُ: ظَنُّهُمْ قُصُورَ النُّصُوصِ عَنْ بَيَانِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ.
" الثَّانِي: مُعَارَضَةُ كَثِيرٍ مِنَ النُّصُوصِ بِالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ.
" الثَّالِثُ: اعْتِقَادُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْمِيزَانِ وَالْقِيَاسِ، وَالْمِيزَانُ هُوَ الْعَدْلُ، فَظَنُّوا أَنَّ الْعَدْلَ خِلَافُ مَا جَاءَتْ بِهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ.
" الرَّابِعُ: اعْتِبَارُهُمْ عِلَلًا وَأَوْصَافًا لَمْ يُعْلَمِ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ لَهَا، وَإِلْغَاؤُهُمْ عِلَلًا وَأَوْصَافًا اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
" الْخَامِسُ: تَنَاقُضُهُمْ فِي نَفْسِ الْقِيَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا. وَنَحْنُ نَعْقِدُ هَاهُنَا ثَلَاثَةَ فُصُولٍ: " الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ شُمُولِ النُّصُوصِ لِلْأَحْكَامِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهَا عَنِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ.
"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute