للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشَّرَائِعَ أَسْخَطُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. وَهَذَا

بِخِلَافِ حُقُوقِ الْمُكَلَّفِينَ؛ فَإِنَّ أَحْكَامَهَا سِيَاسِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وُضِعَتْ لِمَصَالِحِهِمْ، وَكَانَتْ هِيَ الْمُعْتَبَرَةَ وَعَلَى تَحْصِيلِهَا الْمُعَوَّلُ.

" وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الشَّرْعَ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِهِمْ فَلْتُؤْخَذْ مِنْ أَدِلَّتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ: قَدْ قَرَّرْنَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ وَهِيَ أَقْوَاهَا وَأَخَصُّهَا فَلْنُقَدِّمْهَا فِي تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ.

" ثُمَّ إِنَّ هَذَا إِنَّمَا يُقَالُ فِي الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَخْفَى مَصَالِحُهَا عَنْ مَجَارِي الْعُقُولِ وَالْعَادَاتِ. وَأَمَّا مَصْلَحَةُ سِيَاسَةِ الْمُكَلَّفِينَ فِي حُقُوقِهِمْ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ لَهُمْ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَالْعَقْلِ. فَإِذَا رَأَيْنَا الشَّرْعَ مُتَقَاعِدًا عَنْ إِفَادَتِهَا عَلِمْنَا أَنَّا أَحَلْنَا فِي تَحْصِيلِهَا عَلَى رِعَايَتِهَا " انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا. وَمَنْ أَرَادَ الِاطِّلَاعَ عَلَى سِيَاقِهِ بِرُمَّتِهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى الْمُجَلَّدِ التَّاسِعِ مِنَ الْمَنَارِ (ص ٧٤٥ - ٧٧٠) .

مَا حَرَّرَهُ الشَّاطِبِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَصَالِحِ:

وَأَمَّا الشَّاطِبِيُّ، فَإِنَّهُ جَعَلَ الْبَابَ الثَّامِنَ مِنْ كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ؛ فَأَمَّا الِاسْتِحْسَانُ فَإِذَا لَمْ يَرْجِعْ إِلَى قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ إِلَى رِعَايَةِ الْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ فَقَدْ وَافَقَ الشَّاطِبِيُّ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى عَدِّهَا مِمَّا يُسَمُّونَهُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبَ، وَوَضَّحَهَا بِعَشَرَةِ أَمْثِلَةٍ مِنْهَا:

(١) اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى كِتَابَةِ الْقُرْآنِ فِي الصُّحُفِ الَّتِي سُمِّيَ مَجْمُوعُهَا الْمُصْحَفَ.

(٢) اتِّفَاقُهُمْ عَلَى حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، كَذَا قَالَ.

(٣) قَضَاءُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِتَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) فِي ذَلِكَ: لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إِلَّا ذَاكَ.

(٤) مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الضَّرْبِ فِي التُّهَمِ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مِنَ السِّجْنِ فِي التُّهَمِ، مَعَ أَنَّ السِّجْنَ نَوْعٌ مِنَ الْعَذَابِ.

(٥) مَا قَرَّرَهُ وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنِ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ جَوَازِ وَضْعِ الْإِمَامِ الْعَادِلِ ضَرَائِبَ وَإِعَانَاتٍ مُؤَقَّتَةً عِنْدَ الضَّرُورَةِ ; لِتَكْثِيرِ الْجُنُودِ لِسَدِّ الثُّغُورِ وَحِمَايَةِ الْمَلِكِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَفِي بِذَلِكَ.

(٦) اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي الْعِقَابِ عَلَى بَعْضِ الْجِنَايَاتِ بِأَخْذِ الْمَالِ.

(٧) الزِّيَادَةُ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ إِذَا تَوَالَتْ ضَرُورَةُ الْأَكْلِ مِنَ الْمُحَرَّمِ كَالْمَيْتَةِ فِي الْمَجَاعَاتِ، أَوْ عَمَّ الْحَرَامُ بَلَدًا أَوْ قُطْرًا فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ، فَحِينَئِذٍ لَا يُنْظَرُ إِلَى أَصْلِ الْمَالِ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنَ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ حَلَالًا. هَذَا مُلَخَّصُ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ، وَعَزَى الْقَوْلَ بِهِ إِلَى ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَأَحَالَ فِي بَسْطِهِ عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ; أَيْ فِي كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>