للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٨) قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، قَالَ: وَالْمُسْتَنَدُ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ; إِذْ لَا نَصَّ عَلَى عَيْنِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

(٩) إِقَامَةُ إِمَامٍ لِلْمُسْلِمِينَ (خَلِيفَةٍ) غَيْرِ مُجْتَهِدٍ فِي الشَّرْعِ إِذَا فُقِدَ الْمُجْتَهِدُ. قَالَ: " إِنَّ الْعُلَمَاءَ نَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا لِمَنْ نَالَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى فِي عُلُومِ الشَّرْعِ، كَمَا أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا أَيْضًا أَوْ كَادُوا يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِمَنْ رُقِّيَ فِي رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ. وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَلَكِنْ إِذَا فُرِضَ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يَظْهَرُ بَيْنَ النَّاسِ وَافْتَقَرُوا إِلَى إِمَامٍ يُقَدِّمُونَهُ; لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ وَتَسْكِينِ ثَوْرَةِ الثَّائِرِينَ وَالْحِيَاطَةِ عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الْأَمْثَلِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ.

ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَتَّجِهُ إِلَّا عَلَى فَرْضِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا بَحْثٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَيَانِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، بَلْ هُوَ لَا يَتَّسِعُ لِتَحْقِيقِ مَسْأَلَةِ الْمِثَالِ الْمَفْرُوضَةِ أَيْضًا.

(١٠) بَيْعَةُ مَنْ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ ابْتِدَاءً أَوِ اسْتَدَامَتُهَا بَعْدَ وُجُودِ الْكُفْءِ لَهَا كَالْقُرَشِيِّ الْمُجْتَهِدِ. . . إِلَخْ; خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ وَتَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ مُبَايَعَةَ ابْنِ عُمَرَ لِيَزِيدَ وَلِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى كَوْنِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، وَأَخْذَهُمَا الْمُلْكَ بِالسَّيْفِ لَا بِاخْتِيَارِ الْأُمَّةِ، وَنَهْيَ مَالِكٍ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَبْحَاثٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ; فَلَا تُؤْخَذُ عَلَى إِطْلَاقِهَا، وَقَدْ سَبَقَ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْمُحَارِبِينَ (الْبُغَاةِ) قَوْلٌ وَجِيزٌ فِيهَا،

وَإِشَارَةٌ إِلَى بَعْضِ مَسَائِلِهَا; مِنْهُ أَنَّ تَحْرِيرَهَا لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِمُصَنَّفٍ خَاصٍّ، وَمِنْهُ أَنَّ الرَّأْيَ الْغَالِبَ عَلَى الْأُمَمِ فِي هَذَا الْعَصْرِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي الْخُرُوجِ عَلَى الْمُلُوكِ الْمُسْتَبِدِّينَ الْجَائِرِينَ ; كَمَا فَعَلَتِ الْأُمَّةُ الْعُثْمَانِيَّةُ إِذْ كَوَّنَتْ قُوَّةً خَرَجَتْ بِهَا عَلَى سُلْطَانِهَا عَبْدِ الْحَمِيدِ فَسَلَبَتِ السُّلْطَةَ مِنْهُ، وَخَلَعَتْهُ بِفَتْوَى مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِيهَا.

وَمَنْ دَقَّقَ النَّظَرَ فِي الْأَمْثِلَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الشَّاطِبِيُّ لِمَسْأَلَةِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ بَعْضَهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ أَوِ السُّنَّةُ الْعَمَلِيَّةُ، وَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقِيَاسُ. فَمِنَ الْأَوَّلِ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ فِي مُصْحَفٍ يَجْمَعُهُ كُلَّهُ، فَإِنَّ تَسْمِيَةَ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ كِتَابًا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ كِتَابَتِهِ، وَاتِّخَاذُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُتَّابَ لَهُ يَكْتُبُونَ بِأَمْرِهِ كُلَّ مَا نَزَلَ فِي وَقْتِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَسَبَبُ عَدَمِ جَمْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي الْمُصْحَفِ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِطَالَةِ الْفِكْرَةِ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْمَزِيدِ فِي كُلِّ سُورَةٍ مَا دَامَ حَيًّا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَوَّرَ أَحَدٌ وَلَا أَنْ يَجِدَ شُبْهَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>