للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .

بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى بُطْلَانَ التَّقْلِيدِ وَهُوَ أَنْ يَتْبَعَ الْمَرْءُ غَيْرَهُ مِنَ النَّاسِ فِي فَهْمِهِ لِلدِّينِ وَرَأْيِهِ فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا حُجَّةٍ، أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِصِيغَةِ الْإِغْرَاءِ بِأَنْ يَهْتَمُّوا بِإِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ بِالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي يُعَدُّ رُشْدًا وَهُدًى، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ إِذَا أَصْلَحُوا أَنْفُسَهُمْ وَقَامُوا بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ عِلْمٍ وَتَعْلِيمٍ وَعَمَلٍ وَإِرْشَادٍ، فَلَا يَضُرُّهُمْ مَنْ ضَلَّ مِنَ النَّاسِ عَنْ مَحَجَّةِ الْعِلْمِ بِالْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ، وَعَنْ صِرَاطِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِالْفِسْقِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) أَيِ الْزَمُوا إِصْلَاحَ أَنْفُسِكُمْ، وَتَزْكِيَتَهَا بِمَا شَرَّعَ اللهُ لَكُمْ، لَا يَضُرُّكُمْ ضَلَالُ غَيْرِكُمْ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، إِذْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَمِنْ أُصُولِ الْهِدَايَةِ: الدَّعْوَةُ إِلَى الْخَيْرِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِذَنْ لَا تَكُونُونَ مُهْتَدِينَ إِلَّا إِذَا بَلَغْتُمْ دَعْوَةَ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ، وَعَلِمْتُمِ الْجَاهِلِينَ مَا أَعْطَاكُمُ اللهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَلَا تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَالْعِلْمَ كَمَا كَتَمَهُ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَلَعَنَهُمُ اللهُ عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِمْ وَلِسَانِ نَبِيِّكُمْ (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أَيْ إِلَيْهِ وَحْدَهُ رُجُوعُكُمْ وَرُجُوعُ مَنْ ضَلَّ عَمَّا اهْتَدَيْتُمْ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُكُمْ عِنْدَ الْحِسَابِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَجْزِيكُمْ بِهِ.

وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ يَعْنِي ابْنَ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ حَدَّثَنَا قَيْسٌ

قَالَ: " قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَإِنَّكُمْ تَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ وَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِعِقَابِهِ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>