للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَائِدَةً عَلَيْهَا طَعَامٌ، وَعَنْهُ قَالَ: أَبَوْهَا حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ إِنْ كَفَرُوا فَأَبَوْا أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَائِدَةِ: إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ. وَحَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَمَّا قِيلَ لَهُمْ: (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) قَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا فَلَمْ تَنْزِلْ. وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ إِلَى مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ، وَقَدْ يَتَقَوَّى ذَلِكَ بِأَنَّ خَبَرَ الْمَائِدَةِ لَا تَعْرِفُهُ النَّصَارَى وَلَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِهِمْ، وَلَوْ كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا تُوَفَّرَ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَكَانَ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي كِتَابِهِمْ بِالتَّوَاتُرِ وَلَا أَقَلَّ مِنَ الْآحَادِ وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ رَأْيَ الْجُمْهُورِ وَتَرْجِيحَ ابْنِ جَرِيرٍ لَهُ.

وَذَكَرَ الرَّازِيُّ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا بِنَفْيِ نُزُولِهَا احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَأَجَابَ عَنْهُمَا فَقَالَ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ: (أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) اسْتَغْفَرُوا وَقَالُوا: لَا نُرِيدُهَا. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ وَصَفَ الْمَائِدَةَ بِكَوْنِهَا عِيدًا لِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، فَلَوْ نَزَلَتْ لَبَقِيَ ذَلِكَ الْعِيدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَبَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ بِنُزُولِهَا لِوُجُوبِ إِنْجَازِ الْوَعْدِ الْجَازِمِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ، قَالَ: وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ قَوْلَهُ: (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ) شَرْطٌ وَجَزَاءٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ) وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي أَنَّ يَوْمَ نُزُولِهَا كَانَ عِيدًا لَهُمْ وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى شَرْعِهِمْ اهـ.

أَقُولُ: أَمَّا جَوَابُهُ عَنِ الْحُجَّةِ الْأُولَى فَفِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ خَبَرٍ إِنْ صَحَّ لَا تُرَدَّ صِحَّتُهُ بِكَوْنِ جُمْلَةِ الْوَعِيدِ الشَّرْطِيَّةِ غَيْرَ مُتَعَلِّقَةٍ بِجُمْلَةِ الْوَعْدِ إِلَّا إِذَا قَالَهُ هَذَانِ التَّابِعِيَّانِ الْأَجِلَّاءُ مِنْ قَبِيلِ التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُمَا أَصْلًا مَرْفُوعًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَجْهٍ يَتَّفِقُ مَعَ صِدْقِ الْوَعْدِ، وَهُوَ (الْوَجْهُ الثَّانِي) وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ جُمْلَةَ الْوَعِيدِ مُرَتَّبَةٌ عَلَى جُمْلَةِ الْوَعْدِ لِعَطْفِهَا عَلَيْهَا بِالْفَاءِ كَمَا بَيَّنَاهُ

آنِفًا، وَهَذَا التَّرْتِيبُ كَافٍ لِحَمْلِ الْحَوَارِيِّينَ عَلَى تَرْكِ طَلَبِهَا بَلْ طَلَبِ الِاسْتِقَامَةِ مِنْ إِنْزَالِهَا. وَمَا كَانَ مِثْلَ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ لَيَخْفَى عَلَيْهِمْ أَنَّ الْوَعْدَ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ وَأَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ الْوَعِيدَ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ تَرْتِيبًا، وَلَكِنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ هَذَا سَبَبٌ كَافٍ فِي عَدَمِ مُعَارَضَةِ الْوَعْدِ لِمَا رَوَوْهُ مِنْ تَنَصُّلِ الْقَوْمِ وَاسْتِقَالَتِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الطَّلَبِ وَإِقَالَةِ اللهِ إِيَّاهُمْ مِنْهُ. وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ عَدَمُ إِنْزَالِهَا إِخْلَافًا لِلْوَعْدِ، فَإِنَّ مَنْ وَعَدَ غَيْرَهُ بِشَيْءٍ وَأَرَادَ أَنْ يُنْجِزَهُ لَهُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ تَكْلِيفًا أَوْ تَخْوِيفًا حَمَلَ الْمَوْعُودَ عَلَى عَدَمِ الْقَبُولِ لَا يُسَمَّى مُخْلِفًا.

وَأَمَّا جَوَابُهُ عَنِ الْحُجَّةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ دَعْوَى تَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتٍ إِذْ لَا يَثْبُتُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أَتْبَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>