مِنْ ذَاتِ الْقَرْنِ " وَفِي رِوَايَةٍ " لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ " وَغَلِطَ الْأَلُوسِيُّ فَعَزَاهُ إِلَى حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا " لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ ". وَنُقِلَ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ إِعَادَةِ الْحَيَوَانِ كَالْإِنْسَانِ لِلتَّعْوِيضِ عَلَى كُلٍّ، لَا لِمَحْضِ الْعِقَابِ عَلَى الْجِنَايَةِ، فَكُلُّ حَيٍّ أَصَابَهُ أَلَمٌ يَجِبُ أَنْ يَنَالَ عِوَضًا عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ الْأَلَمُ بِفِعْلِ اللهِ أَوْ بِشَرْعِهِ كَالَّذِي يُذْبَحُ لِيُؤْكَلَ أَوْ يُقْتَلُ اتِّقَاءَ ضَرَرِهِ فَاللهُ يُعَوِّضُهُ عَنْ ذَلِكَ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) قَالَ: مَوْتُ الْبَهَائِمِ حَشْرُهَا. وَفِي لَفْظٍ قَالَ: يَعْنِي بِالْحَشْرِ الْمَوْتَ. قَالَ السَّيِّدُ الْأَلُوسِيُّ: وَمُرَادُهُ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى مَا قِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) : مَجْمُوعُهُ مُسْتَعَارٌ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لِلْمَوْتِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ " مَنْ مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ " فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَشْرَ بَعْثٌ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ، وَتَعْدِيَتُهُ بِإِلَى تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمَوْتَ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ أَيْضًا نَقْلٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ. انْتَهَى. وَصَوَّبَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَشْرَانِ جَمِيعًا حَشْرُ الْمَوْتِ وَحَشْرُ الْبَعْثِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْحَشْرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْجَمْعُ، وَهُوَ يَشْمَلُهَا، وَلَا مَرْجِعَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، هَذَا مُحَصَّلُ قَوْلِهِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الْحَشْرَ جَمْعٌ وَبَعْثٌ، أَوْ كَمَا قَالَ
الرَّاغِبُ: إِخْرَاجُ الْجَمَاعَةِ عَنْ مَقَرِّهِمْ وَإِزْعَاجِهُمْ إِلَى الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا، فَفِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ. وَمَعْنَى الْحَشْرِ بِالْمَوْتِ: سَوْقُ الْأَحْيَاءِ إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ غَايَتَهُمْ.
وَأَحْسَنُ مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ بَيَانُ وَجْهِ الْعِبْرَةِ وَالْمَوْعِظَةِ فِيهَا، قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْكَ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللهِ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، لَا تَحْسَبُنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا تَعْمَلُونَ، أَوْ أَنَّهُ غَيْرُ مُجَازِيكُمْ عَلَى مَا تَكْسِبُونَ، وَكَيْفَ يَغْفُلُ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَوْ يَتْرُكُ مُجَازَاتَكُمْ، وَهُوَ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْ عَمَلِ شَيْءٍ دَبَّ عَلَى الْأَرْضِ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَلَا عَمَلَ طَائِرٍ طَارَ بِجَنَاحَيْهِ فِي الْهَوَاءِ، بَلْ جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَجْنَاسًا مُجَنَّسَةً، وَأَصْنَافًا مُصَنِّفَةً، تَعْرِفُ كَمَا تَعْرِفُونَ، وَتَتَصَرَّفُ فِيمَا سُخِّرَتْ لَهُ كَمَا تَتَصَرَّفُونَ، وَمَحْفُوظٌ عَلَيْهَا مَا عَمِلَتْ مِنْ عَمَلٍ لَهَا وَعَلَيْهَا، وَمُثْبَتٌ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِهَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ، ثُمَّ إِنَّهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - مُمِيتُهَا، ثُمَّ مُنْشِرُهَا وَمُجَازِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَزَاءَ أَعْمَالِهَا. يَقُولُ: فَالرَّبُّ الَّذِي لَمْ يُضَيِّعْ حِفْظَ الْبَهَائِمِ وَالدَّوَابِّ فِي الْأَرْضِ، وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى حَفِظَ عَلَيْهَا حَرَكَاتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute