وَأَفْعَالَهَا، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ مِنْهَا فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَحَشَرَهَا ثُمَّ جَازَاهَا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهَا فِي دَارِ الْبَلَاءِ، أَحْرَى أَلَّا يُضِيعَ أَعْمَالَكُمْ وَلَا يُفَرِّطَ فِي حِفْظِ أَفْعَالِكُمُ الَّتِي تَجْتَرِحُونَهَا أَيُّهَا النَّاسُ حَتَّى يَحْشُرَكُمْ فَيُجَازِيَكُمْ عَلَى جَمِيعِهَا؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ؛ إِذْ كَانَ قَدْ خَصَّكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَبَسَطَ عَلَيْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ مَا لَا يَعُمُّ غَيْرَكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَكُنْتُمْ بِشُكْرِهِ أَحَقَّ وَبِمَعْرِفَةِ وَاجِبِهِ عَلَيْكُمْ أَوْلَى، لِمَا أَعْطَاكُمْ مِنَ الْعَقْلِ الَّذِي بِهِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ تُمَيِّزُونَ، وَالْفَهْمِ الَّذِي لَمْ يُعْطَهُ الْبَهَائِمُ وَالطَّيْرُ الَّذِي بِهِ بَيْنَ مَصَالِحِكُمْ وَمَضَارِّكُمْ تُفَرِّقُونَ. اهـ.
(مَسَائِلُ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنَ الْآيَةِ مَنْقُولَةٌ عَنْ " رُوحِ الْمَعَانِي " وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهَا) .
الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى التَّنَاسُخِ:
قَالَ الْأَلُوسِيُّ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْآيَةِ: هَذَا وَرِسَالَةٌ فِي الْمَعَادِ لِأَبِي عَلِيٍّ: قَالَ الْمُعْتَرِفُونَ بِالشَّرِيعَةِ مِنْ أَهْلِ التَّنَاسُخِ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ) إِلَخْ. وَفِيهِ الْحُكْمُ بِأَنَّ الْحَيَوَانَاتِ الْغَيْرَ النَّاطِقَةِ أَمْثَالُنَا وَلَيْسُوا أَمْثَالَنَا بِالْفِعْلِ، فَيَتَعَيَّنُ كَوْنُهُمْ أَمْثَالَنَا بِالْقُوَّةِ ضَرُورَةُ صِدْقِ هَذَا الْحُكْمِ وَعَدَمُ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْقُوَّةِ،
وَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ بِحُلُولِ النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ التَّنَاسُخُ الْمَطْلُوبُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ دَلِيلٌ كَاسِدٌ عَلَى مَذْهَبٍ فَاسِدٍ.
هَلْ لِلْبَهَائِمِ نُفُوسٌ نَاطِقَةٌ؟ :
(قَالَ) : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ لِلْحَيَوَانَاتِ بِأَسْرِهَا نُفُوسًا نَاطِقَةً كَمَا لِأَفْرَادِ الْإِنْسَانِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الصُّوفِيَّةُ وَبَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْإِسْلَامِيِّينَ، وَأَوْرَدَ الشَّعْرَانِيُّ فِي (الْجَوَاهِرُ وَالدُّرَرُ) لِذَلِكَ أَدِلَّةً غَيْرَ مَا ذُكِرَ (مِنْهَا) أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا هَاجَرَ وَتَعَرَّضَ كُلٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ لِزِمَامِ نَاقَتِهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ " وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَ أَنَّ النَّاقَةَ مَأْمُورَةَ، وَلَا يَعْقِلُ الْأَمْرَ إِلَّا مَنْ لَهُ نَفْسٌ نَاطِقَةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلنَّاقَةِ نَفْسًا كَذَلِكَ ثَبَتَ لِلْغَيْرِ، إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. (وَمِنْهَا) مَا يُشَاهَدُ فِي النَّحْلِ وَصَنْعَتِهَا أَقْرَاصَ الشَّمْعِ، وَالْعَنَاكِبِ وَاحْتِيَالِهَا لِصَيْدِ الذُّبَابِ، وَالنَّمْلِ وَادِّخَارِهِ لِقُوتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَفْسُدُ مَعَهُ مَا ادَّخَرَهُ، وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ دَلِيلًا لِذَلِكَ أَيْضًا: النَّمْلَةُ الَّتِي كَلَّمَتْ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمَا قَصَّ اللهُ تَعَالَى لَنَا عَنْهَا مِمَّا لَا يَهْتَدِي إِلَى مَا فِيهِ إِلَّا الْعَالَمُونَ، وَخَوْفُ الشَّاةِ مِنْ ذِئْبٍ لَمْ تُشَاهِدْ فِعْلَهُ قَبْلُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنِ اسْتِدْلَالٍ، وَهُوَ شَأْنُ ذَوِي النُّفُوسِ النَّاطِقَةِ، وَعَدَمُ افْتِرَاسِ الْأَسَدِ الْمُعَلَّمِ مَثَلًا صَاحِبَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِقَادِ النَّفْعِ وَمَعْرِفَةِ الْحَسَنِ وَهُوَ مِنْ شَأْنِ ذَوِي النُّفُوسِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute