وَيَنَايِرَ - كَانُونُ الْأَوَّلُ وَكَانُونُ الثَّانِي - لِكُلِّ سَنَةٍ تَالِيَةٍ، وَبِذَلِكَ نَعْرِفُ نَوْعَ الْبَيْضَةِ الَّتِي تَلَقَّحَتْ وَالَّتِي تَكُونُ الْمَرْأَةُ حَامِلًا بِهَا، وَبِذَلِكَ نَتَمَكَّنُ مِنْ مَعْرِفَةِ نَوْعِ الطِّفْلِ الْآتِي.
وَلِوُجُودِ (١٣) مَرَّةَ تَكْوِينِ بِيضٍ فِي السَّنَةِ نَرَى أَنَّ تَكْوِينَ الْبُوَيْضَةِ الْمُلَقَّحَةِ فِي أُكْتُوبَرَ - تِشْرِينُ الْأَوَّلُ - مِنْ سَنَةٍ يَجْعَلُ الْبَيْضَ الثَّانِيَ فِي أُكْتُوبَرَ مِنَ النَّوْعِ الْمُضَادِّ بِسَبَبِ زِيَادَةِ الشَّهْرِ الثَّالِثِ عَشَرَ أَوِ النَّوْبَةِ الثَّالِثَةِ عَشْرَةَ الَّتِي يَلْزَمُ إِضَافَتُهَا بَيْنَ شَهْرَيْ أُكْتُوبَرَ، فَمَثَلًا إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ طِفْلًا فِي شَهْرٍ مِنْ سَنَةٍ وَطِفْلًا آخَرَ فِي نَفْسِ الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ التَّالِيَةِ يَكُونُ الطِّفْلَانِ مُخْتَلِفَيِ النَّوْعِ ". انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِقَاعِدَتِهِ.
فَمَعْرِفَةُ نَوْعِ الْحَمْلِ فِي الرَّحِمِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ يُعَدُّ مِنْ عُلُومِ الْبَشَرِ الْكَسْبِيَّةِ؛ إِذْ هُوَ مَعْرِفَةُ الْمُسَبَّبِ بِسَبَبِهِ، وَهُوَ لَا يُعَارِضُ كَوْنَ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِمَا فِي الْأَرْحَامِ مِنْ مَفَاتِحِ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، فَإِنَّ مَعْنَى هَذَا الْحَصْرِ أَنَّ مَا سَيَحْدُثُ فِي عَالَمِ الْحَيَوَانِ مِنَ التَّكْوِينِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ هُوَ مِنْ خَزَائِنِ الْغَيْبِ الَّتِي لَا يُحِيطُ بِمَا فِيهَا إِلَّا اللهُ، وَمِفْتَاحُ
الْعِلْمِ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَهُ، فَإِذَا هَدَى عِبَادَهُ إِلَى سُنَّةٍ مِنْ سُنَنِهِ الَّتِي هِيَ مِفْتَاحٌ مُوَصِّلٌ إِلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى بَعْضِ مَا تَحْتَوِيهِ هَذِهِ الْخِزَانَةُ فَذَلِكَ لَا يَنْفِي مَا ذُكِرَ.
بَعْدَ أَنْ كَتَبْتُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَطُبِعَ فِي الْمَنَارِ بَقِيَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْهُ، فَتَفَكَّرْتُ فِيهِ عِنْدَ النَّوْمِ فَظَهَرَ لِي أَنَّ الْعِلْمَ بِسُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي سَبَبِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ عِلْمُ أَحَدٍ عِلْمًا قَطْعِيًّا بِمَا فِي رَحِمِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا حَتَّى مَعَ الْعِلْمِ بِالشُّرُوطِ الَّتِي اشْتَرَطُوهَا لِلْعِلْمِ بِذَلِكَ - دَعِ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ مَا فِي أَرْحَامِ جَمِيعِ الْإِنَاثِ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ كُلِّهَا - وَإِنَّمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الظَّنُّ الْغَالِبُ فِي حَالِ الْعِلْمِ بِالشُّرُوطِ، وَالْجَهْلُ التَّامُّ فِي حَالِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهَا. وَالْعِلْمُ الصَّحِيحِ بِمَا فِي الرَّحِمِ هُوَ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِدْقِ الْحَامِلِ فِيمَا أَخْبَرَتْ مِنْ تَحْدِيدِ شَهْرِ الْوِلَادَةِ وَلَا عَلَى خُلُوِّ الرَّحِمِ مِنْ بَيْضٍ تَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ كَوْنِ الْأَصْلِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَرَّةً فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَسَابِيعَ، فَإِنَّهُمْ جَزَمُوا بِأَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ - وَلَا عَلَى تَكَوُّنِ الْبَيْضِ فِي جَانِبَيِ الرَّحِمِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهَوَ الَّذِي يَكُونُ سَبَبُ الْحَمْلِ بِالتَّوْأَمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ، فَاحْتِمَالُ وُقُوعِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فِي كُلِّ حَمْلٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا يَنْفِي الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ بِمَا فِي رَحِمِ أَيِّ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، فَمَا الْقَوْلُ فِي الْعِلْمِ بِمَا فِي الْأَرْحَامِ كُلِّهَا؟ .
خَطَرَ لِي هَذَا الْمَعْنَى فِي الْفِرَاشِ، وَانْتَقَلَ ذِهْنِي مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرَّعْدِ: (اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (١٣: ٨، ٩) فَهُوَ وَحْدَهُ الَّذِي يَعْلَمُ حَمْلَ كُلِّ أُنْثَى أَذَكَرٌ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute