للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمْ أُنْثَى. وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ مِنْ نَقْصِ الْحَمْلِ أَوْ فَسَادِهِ بَعْدَ الْعُلُوقِ، وَمَا تَزْدَادُ مِنَ الْحَمْلِ كَالْحَمْلِ بِالتَّوْأَمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ. وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ شَيْخٍ بِمِنًى أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ لَهُ بُطُونًا فِي كُلٍّ مِنْهَا خَمْسَةُ أَوْلَادٍ، فَأَنَّى يَهْتَدِي إِلَى الْعِلْمِ بِمِثْلِ هَذِهِ النَّوَادِرِ الْأَطِبَّاءُ؟ وَسَنَزِيدُ هَذَا الْبَحْثَ إِيضَاحًا فِي سُورَةِ الرَّعْدِ إِذَا أَطَالَ اللهُ عُمُرَنَا وَوَفَّقَنَا لِتَفْسِيرِهَا.

(وَجْهُ تَفْسِيرِ مَفَاتِحِ الْغَيْبِ بِهَذِهِ الْخَمْسِ) .

لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي وَجْهِ تَفْسِيرِ مَفَاتِحِ الْغَيْبِ بِالْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي آخِرِ سُورَةِ لُقْمَانَ، وَكُنْتُ قَدْ فَكَّرْتُ فِي ذَلِكَ فِي أَيَّامِ طَلَبِي لِلْعِلْمِ، فَظَهَرَ لِي أَنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ عِلْمُ شَهَادَةٍ، وَعِلْمُهُ بِمَا لَمْ يُوجَدْ عِلْمُ غَيْبٍ، وَأَنَّ مَا لَمْ يُوجَدْ فَخَزَائِنُهُ أَوْ مَفَاتِيحُ

خَزَائِنِهِ الَّتِي يَسْتَفِيدُ النَّاسُ مِنْ بَيَانِهَا هِيَ تِلْكَ الْخَمْسُ، وَهِيَ لَمْ تُذْكَرْ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي " الْحِكْمَةُ الشَّرْعِيَّةُ " الَّذِي أَلَّفْتُهُ فِي عَهْدِ الطَّلَبِ فِي سِيَاقِ الْبَحْثِ فِي الْكَشْفِ عَنْ أَنْوَاعِ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ، وَبَعْدَ ذِكْرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فِي تَفْسِيرِهَا بِتِلْكَ الْخَمْسِ قُلْتُ مَا نَصُّهُ:

ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ مَعْلُومَاتِ اللهِ تَعَالَى الْغَيْبِيَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ، فَمَا مَعْنَى تَخْصِيصِ هَذِهِ الْخَمْسِ بِالذِّكْرِ مَعَ كَوْنِهَا مِمَّا قَدْ يَطَّلِعُ بَعْضُ عِبَادِهِ عَلَى بَعْضِهِ؟ وَمَا مَعْنَى كَوْنِهَا مَفَاتِحَ الْغَيْبِ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذِهِ الْخَمْسَ هِيَ الَّتِي كَانُوا يَدَّعُونَ عِلْمَهَا، وَالْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ عَلَى الرَّاجِحِ فَلَا يَنْفِي زَائِدًا عَلَى الْمَذْكُورِ. (قُلْتُ) : وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا مَفَاتِحَ الْغَيْبِ، وَقَدْ فَتَحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيَّ بِفَهْمِ مَعْنًى لَطِيفٍ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْخَمْسِ مَفَاتِحَ أَوْ مَفَاتِيحَ لِلْغَيْبِ. وَعَرَضْتُهُ عَلَى مَشَايِخِي كَالْأُسْتَاذِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْقَاوُقْجِيِّ، وَالْعَلَامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدْ نُشَّابَةْ وَغَيْرِهِمَا فَأُعْجِبُوا بِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَفَاتِحَ جَمْعُ مَفْتَحٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَوْ كَسْرِهَا، بِمَعْنَى الْخَزَائِنِ أَوِ الْمَفَاتِيحِ، وَالْغَيْبُ مَا غَابَ عَنِ الْوُجُودِ أَوِ الشُّهُودِ، وَهُوَ عَالَمُ الْبَرْزَخِ، وَعَالَمُ الْآخِرَةِ، وَبَعْضُ عَالَمِ الدُّنْيَا وَهُوَ النَّبَاتُ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ، وَالْحَيَوَانُ الَّذِي لَمْ يُولَدْ، وَكَسْبُ الْأَنْفَسِ الَّذِي يَحْصُلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عَلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، فَالسَّاعَةُ مِفْتَاحُ عَالِمِ الْآخِرَةِ، وَالْغَيْثُ مِفْتَاحُ عَالَمِ النَّبَاتِ، وَمَا فِي الْأَرْحَامِ مِفْتَاحُ عَالَمِ الْحَيَوَانِ، وَقَوْلُهُ: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ) ظَاهِرٌ فِي مَفْتَحِ الْكَسْبِ وَالْأَعْمَالِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) أَيْ كَمَا لَا تَدْرِي بِأَيِّ وَقْتٍ إِشَارَةً بِالْمَوْتِ إِلَى عَالَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>