للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَرْزَخِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: الْعَوَالِمُ ثَلَاثَةٌ، الْأَوَّلُ: الْقَرِيبُ الدَّانِي الَّذِي نُقِيمُ فِيهِ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَالْآخَرُ: الَّذِي نُقِيمُ فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ أَبَدًا إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ، وَالثَّالِثُ: الْوَسَطُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مَا نُقِيمُ فِيهِ بَيْنَ الْعَالَمَيْنِ حَتَّى يَتِمَّ جَمْعُنَا بِانْتِهَاءِ الدُّنْيَا، وَنَفِدُ عَلَى اللهِ تَعَالَى جَمِيعًا، فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي لَيْسَ مَشْهُودًا لَنَا، وَمَفْتَحُهُمَا السَّاعَةُ وَالْمَوْتُ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَمِنْهُ مَا هُوَ مَشْهُودٌ لَنَا وَلَا يَحْصُلُ فِيهِ زِيَادَةٌ يُبْرِزُهَا

اللهُ تَعَالَى مِنَ الْعَدَمِ كَالْأَحْجَارِ وَالْمَعَادِنِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي وُجِدَتْ فِي الْكَوْنِ تَدْرِيجًا أَوْ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَمِنْهُ مَا هُوَ غَيْبٌ وَهُوَ مَا يَتَجَدَّدُ بِصُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَمْ تَكُنْ مَشْهُودَةً، وَهُوَ النَّبَاتُ وَمَفْتَحُهُ الْغَيْثُ، وَالْحَيَوَانُ وَمَفْتَحُهُ الْأَرْحَامُ غَالِبًا أَوْ عُبِّرَ بِهَا عَنْهُ، وَكَسْبُ الْحَيَوَانِ وَعَمَلُهُ، وَهُوَ مَفْتَحٌ وَخِزَانَةٌ مِنْ خَزَائِنِ الْغَيْبِ. اهـ.

ثُمَّ ذَكَرْتُ هُنَالِكَ مَا يَرُدُّ عَلَى حَصْرِ الْمَفَاتِحِ بِهَذِهِ الْخَمْسِ أَوْ تَخْصِيصِهَا بِالذِّكْرِ، وَأَجَبْتُ وَفِي الْعِبَارَةِ شَيْءٌ مِنَ الضَّعْفِ، وَهِيَ مِنَ الْقِسْمِ الَّذِي لَا يَزَالُ مُسَوَّدَةً مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ أَوَّلُ تَمْرِينٍ لَنَا عَلَى التَّأْلِيفِ وَالْإِنْشَاءِ، فَإِنَّنَا لَمْ نَتَعَلَّمِ الْإِنْشَاءَ تَعَلُّمًا. وَفِي حَاشِيَتِهَا تَعْلِيقٌ عَلَى كَلِمَةِ " وَمَفْتَحُهُ الْأَرْحَامُ غَالِبًا " وَجَعْلِ نَحْوِ دُودِ الْفَاكِهَةِ وَالْخَلِّ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ بَيَّنَّا فِيهِ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ كَوْنِ الْحَيِّ لَا يُولَدُ إِلَّا مِنْ حَيٍّ مِثْلِهِ، فَمَا كَانَ يُقَالُ فِي بَحْثِ التَّوَلُّدِ الذَّاتِيِّ مِنْ تَوَلُّدِ دُودِ الْفَاكِهَةِ مِنْهَا وَكَذَا الْخَلُّ، وَتُوَلُّدِ الْفَأْرَةِ مِنَ التُّرَابِ - كُلُّهُ بَاطِلٌ.

(كِتَابَةُ اللهِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْمُبِينُ، وَأُمُّ الْكِتَابِ، وَالذِّكْرُ، وَالزُّبُرُ، وَاللَّوْحُ الْمَحْفُوظِ) .

وَرَدَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا آيَاتٌ، فَفِي سُورَةِ يُونُسَ (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ١٠: ٦١) وَفِي سُورَةِ هُودٍ بَعْدَ بَيَانِ عِلْمِهِ بِمَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمَا فِي الصُّدُورِ (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ١١: ٦) وَفِي سُورَةِ النَّمْلِ (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ٢٧: ٧٤، ٧٥) وَفِي سَبَأٍ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِينَّكُمْ عَالَمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٣٤: ٣) وَفِي سُورَةِ طَهَ (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (٢٠: ٥١، ٥٢) وَفِي سُورَةِ الْحَدِيدِ (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ٥٧: ٢٢) وَفِي

سُورَةِ يس (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ٣٦: ١٢) وَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ (لِكُلِّ أَجْلٍ كِتَابٌ يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (١٣: ٣٨، ٣٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>