للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِسْمَاعِيلَ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَهَبَهُ اللهُ تَعَالَى لَهُ بِآيَةٍ مِنْهُ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ وَيَأْسِ امْرَأَتِهِ سَارَّةَ عَلَى عُقْمِهَا جَزَاءً لِإِيمَانِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَكَمَالِ إِسْلَامِهِ لِرَبِّهِ وَإِخْلَاصِهِ، بَعْدَ ابْتِلَائِهِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ وَاسْتِسْلَامِهِ لِأَمْرِ رَبِّهِ فِي الرُّؤْيَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ سِوَاهُ عَلَى كِبَرِ سِنِّهِ، وَقَدْ وُلِدَ لَهُ مِنْ سُرِّيَّةٍ شَابَّةٍ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ قِصَّةِ الذَّبْحِ مِنْ سُورَةِ الصَّافَّاتِ: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) ٣٧: ١١٢ وَسَنُبَيِّنُ حِكْمَةَ تَأْخِيرِ ذِكْرِ إِسْمَاعِيلَ وَذِكْرِهِ مَعَ مَنْ ذَكَرَ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ كَلِمَةَ (إِسْحَاقَ) مَعْنَاهَا (الضَّحَّاكُ) وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهَا الْحَرْفِيَّ (يُضْحِكُ) وَقَالُوا: إِنَّهُ وُلِدَ وَلِأَبِيهِ مِائَةٌ وَاثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَلِأُمِّهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً، وَأَنَّهُ عَاشَ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِهِمْ: إِنَّ مَعْنَى كَلِمَةِ (يَعْقُوبَ) الْحَرْفِيَّ " أَخَذَ الْعَقِبَ " وَالْمُرَادُ يَخْتَلِسُ مَا يَأْخُذُهُ.

(وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ) أَيْ وَهَدَيْنَا جَدَّهُ نُوحًا - هَدَيْنَاهُ مِنْ قَبْلِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى مِثْلِ مَا هَدَيْنَا لَهُ إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْحِكْمَةَ، وَإِرْشَادِ الْخَلْقِ وَتَلْقِينِ الْحُجَّةِ. قِيلَ: إِنَّ اسْمَ (نُوحٍ) مِنْ مَادَّةِ النَّوْحِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ، قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَعْنَاهُ بِالْعَرَبِيَّةِ (السَّاكِنُ) وَقَالَ مُؤَرِّخُو أَهْلِ الْكِتَابِ: إِنَّ مَعْنَاهُ (رَاحَةٌ) وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى " وَنُوحًا هَدَيْنَا " أَيْ وَهَدَيْنَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِلَخْ. وَقَدْ جَزَمَ ابْنُ جَرِيرٍ شَيْخُ الْمُفَسِّرِينَ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي ذُرِّيَّتِهِ لِنُوحٍ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ أَقْرَبُ فِي الذِّكْرِ، وَبِأَنَّ لُوطًا وَيُونُسَ لَيْسَا مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَنَّ وَلَدَ الْمَرْءِ لَا يُعَدُّ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، فَلَا يُقَالُ إِنَّ إِسْمَاعِيلَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصِحُّ لِتَصْرِيحِ أَهْلِ اللُّغَةِ بِأَنَّ الذُّرِّيَّةَ النَّسْلُ مُطْلَقًا. وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) ٣٦: ٤١ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ تُطْلَقُ عَلَى الْأُصُولِ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْفُرُوعِ وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفُلْكِ الْمَشْحُونِ سَفِينَةُ نُوحٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الذُّرِّيَّةَ هُنَا لِلْفُرُوعِ الْمُقَدَّرَةِ فِي أَصْلَابِ الْأُصُولِ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، أَنَّهُ سَفِينُ التِّجَارَةِ الَّتِي كَانَ الْمُخَاطَبُونَ يُرْسِلُونَ فِيهَا أَوْلَادَهُمْ يَتَّجِرُونَ.

وَذَهَبَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي شَأْنِهِ، وَمَا أَتَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ نُوحًا لِأَنَّهُ جَدُّهُ، فَهُوَ لِبَيَانِ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ فِي أَفْضَلِ أُصُولِهِ، تَمْهِيدًا لِبَيَانِ نِعَمِهِ عَلَيْهِ فِي الْكَثِيرِ مِنْ فُرُوعِهِ، وَيُزَادُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ الْكِتَابَ وَالنُّبُوَّةَ فِي نَسْلِهِمَا مَعًا. مُنْفَرِدًا وَمُجْتَمِعًا كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) ٥٧: ٢٦ وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ: إِنَّ يُونُسَ مِنْ ذُرِّيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>