للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَزَادَ بَعْضُهُمْ ذُو الْكِفْلِ لِذِكْرِهِ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فِي سُورَةِ " ص " وَلَكِنِ اخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ لِعَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهَا، وَإِنَّمَا وُصِفَ مَعَ مَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ بِأَنَّهُمْ مِنَ الْأَخْيَارِ.

وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ قَطْعِيٌّ صَرِيحٌ فِي رِسَالَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلْ مَفْهُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) ٤: ١٦٣ أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ رِسَالَتَهُ وَشَرْعَهُ. وَيُؤَيِّدُهُ فِي الْجُمْلَةِ هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي نُفَسِّرُهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَقَدْ أَرْسَلَنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) ٥٧: ٢٦ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي سَرَدَ فِيهَا ذِكْرَ الرُّسُلِ الْمَشْهُورِينَ كَهُودٍ وَمَرْيَمَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَالصَّافَّاتِ وَص وَالْقَمَرِ. وَيُؤَيِّدُهُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَوَّلُ أَصْرَحُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا فَأَرَاحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا! فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. . فَيَقُولُ لَهُمْ آدَمُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ - وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فَيَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ -

وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا " إِلَخْ وَفِي حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهُ " يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ " الْحَدِيثَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ، وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ - وَهُمْ عَلَى الرَّاجِحِ الْمَشْهُورِ نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ كَانَ يَدْفَعُهُمْ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى الْخَاتَمِ كَانَ هُوَ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ.

وَقَدِ اضْطَرَبَتْ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي آيَةِ (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) وَحَدِيثِ الشَّفَاعَةِ. قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالُوا إِنَّمَا بَدَأَ اللهُ بِذِكْرِ نُوحٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ نَبِيٍّ شَرَعَ اللهُ عَلَى لِسَانِهِ الْأَحْكَامَ وَالْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) ثُمَّ خَصَّ بَعْضَ النَّبِيِّينَ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِمْ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِمْ، انْتَهَى وَتَبِعَهُ فِيهِ النَّيْسَابُورِيُّ وَأَبُو السُّعُودِ وَالْخَازِنُ وَغَيْرُهُمْ وَزَادُوا عَلَى ذَلِكَ خَصَائِصَ نُوحٍ. قَالَ الْخَازِنُ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَإِنَّمَا بَدَأَ اللهُ بِذِكْرِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ بِشَرِيعَةٍ وَأَوَّلُ نَذِيرٍ عَلَى الشِّرْكِ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ عَشْرَ صَحَائِفَ، وَكَانَ أَوَّلَ نَبِيٍّ عُذِّبَتْ أُمَّتُهُ لِرَدِّهِمْ دَعْوَتَهُ، وَكَانَ أَبَا الْبَشَرِ كَآدَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْبَيَانِ فِي مَقَاصِدَ الْقُرْآنِ، وَذَكَرَ الْآلُوسِيُّ أَنَّ تَعْلِيلَ الْبَدْءِ بِذِكْرِهِ بِكَوْنِهِ أَوَّلَ مَنْ شَرَعَ اللهُ عَلَى لِسَانِهِ الْأَحْكَامَ قَدْ تُعُقِّبَ بِالْمَنْعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِهَذَا الْمَنْعِ سَنَدًا، وَلَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) حِكْمَةً وَلَا نُكْتَةً. وَقَدْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ اطَّلَعْنَا عَلَى كُتُبِهِمْ. فَمَفْهُومُ تَصْرِيحِ هَؤُلَاءِ الْمُفَسِّرِينَ النَّاقِلِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>