مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا لِأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ رَسُولٍ شَرَعَ اللهُ عَلَى لِسَانِهِ الْأَحْكَامَ، هُوَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: قَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ كِتَابِ التَّيَمُّمِ " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي - إِلَى قَوْلِهِ - وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً ": وَأَمَّا قَوْلُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ لِنُوحٍ كَمَا صَحَّ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: أَنْتَ أَوَّلُ رَسُولٍ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ - فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عُمُومَ بَعْثَتِهِ بَلْ إِثْبَاتُ أَوَّلِيَّةِ إِرْسَالِهِ انْتَهَى. وَهَذَا اعْتِرَافٌ بِأَنَّهُ أَوَّلُ الرُّسُلِ. ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ كِتَابِ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ: فَأَمَّا كَوْنُهُ أَوَّلَ الرُّسُلِ فَقَدِ اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ آدَمَ كَانَ نَبِيًّا وَبِالضَّرُورَةِ
نَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْعِبَادَةِ وَأَنَّ أَوْلَادَهُ أَخَذُوا ذَلِكَ عَنْهُ، فَعَلَى هَذَا فَهُوَ رَسُولٌ إِلَيْهِمْ فَيَكُونُ أَوَّلَ رَسُولٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَوَّلِيَّةُ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ لِنُوحٍ مُقَيَّدَةً بِقَوْلِهِمْ " إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ " لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ آدَمَ لَمْ يَكُنْ لِلْأَرْضِ أَهْلٌ، أَوْ لِأَنَّ رِسَالَةَ آدَمَ إِلَى بَنِيهِ كَانَتْ كَالتَّرْبِيَةِ لِلْأَوْلَادِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ - أَيْ نُوحًا - أَوَّلُ رَسُولٍ أُرْسِلَ إِلَى بَنِيهِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ تُفَرُّقِهِمْ فِي عِدَّةِ بِلَادٍ وَآدَمُ إِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَى بَنِيهِ وَكَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ. وَاسْتَشْكَلَهُ بَعْضُهُمْ بِإِدْرِيسَ وَلَا يَرِدُ لِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ جَدَّ نُوحٍ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى. أَقُولُ: وَيَلِي شَرْحَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَرْحُهُ لِمَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي إِلْيَاسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ، وَقَالَ الْحَافِظُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ: وَكَانَ الْمُصَنِّفُ - أَيِ الْبُخَارِيُّ - رَجَحَ عِنْدَهُ كَوْنُ إِدْرِيسَ لَيْسَ مِنْ أَجْدَادِ نُوحٍ فَلِذَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ اهـ. وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ إِلْيَاسَ.
ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ - بَعْدَ ذِكْرِ الِاسْتِشْكَالِ بِآدَمَ وَشِيثَ وَإِدْرِيسَ - وَمُجْمَلُ الْأَجْوِبَةِ عَنِ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ مُقَيَّدَةٌ بِقَوْلِهِمْ: " إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ " لِأَنَّ آدَمَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ لَمْ يُرْسِلُوا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْإِشْكَالَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَالْجَوَابَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْمَ نُوحٍ كَانُوا هُمْ أَهْلَ الْأَرْضِ، وَبَعْثَةُ نَبِيِّنَا لِقَوْمِهِ وَلِغَيْرِ قَوْمِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَوِ الْأَوَّلِيَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهِ أَهْلَكَ قَوْمَهُ، أَوْ أَنَّ الثَّلَاثَةَ كَانُوا أَنْبِيَاءَ وَلَمْ يَكُونُوا رُسُلًا. وَإِلَى هَذَا جَنَحَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي حَقِّ آدَمَ، وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِمَا صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا مُرْسَلًا، وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِإِنْزَالِ الصُّحُفِ عَلَى شِيثَ وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِرْسَالِ وَأَمَّا إِدْرِيسُ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ إِلْيَاسُ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ. وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ أَنَّ رِسَالَةَ آدَمَ كَانَتْ إِلَى بَنِيهِ وَهُمْ مُوَحِّدُونَ لِيُعَلِّمَهُمْ شَرِيعَتَهُ، وَنُوحٌ كَانَتْ رِسَالَتُهُ إِلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّ جَوَابَ ابْنِ بَطَّالٍ وَهُوَ أَحَدُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ الْأَنْدَلُسِيِّينَ أَبْعَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute