لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، يُقَالُ: لَطُفَ الشَّيْءُ (بِوَزْنِ حَسُنَ) أَيْ صَغُرَ أَوْ دَقَّ وَصَارَ لَطِيفًا. وَيُقَالُ: لَطَفَ بِهِ وَلَطَفَ لَهُ (بِوَزْنِ نَصَرَ) وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي تَفْسِيرِ اللَّطِيفِ. مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ
تَعَالَى: هُوَ الَّذِي اجْتَمَعَ لَهُ الرِّفْقُ فِي الْفِعْلِ وَالْعِلْمُ بِدَقَائِقَ الْمَصَالِحِ وَإِيصَالِهَا إِلَى مَنْ قَدَّرَهَا لَهُ مِنْ خَلْقِهِ انْتَهَى. أَرْجَعَهُ إِلَى صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَإِلَى الْعِلْمِ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي. وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَأَكْثَرُ مِنَ الثَّانِي، فَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ بَعْدَ ذِكْرِ الْإِنْبَاتِ بِالْمَاءِ: (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) ٢٢: ٦٣ وَقَوْلُهُ فِي سُورَةِ الشُّورَى: (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ) ٤٢: ١٩ أَيْ رَفِيقٌ بِهِمْ يُوصِلُ إِلَيْهِمُ الْخَيْرَ وَالرِّزْقَ، بِمُنْتَهَى الْعِنَايَةِ وَالرِّفْقِ. وَفِي سُورَةِ يُوسُفَ حِكَايَةٌ عَنْهُ (إِنَّ رَبِّي لِطَيْفٌ لِمَا يَشَاءُ) ١٢: ١٠٠ فَسَّرُوهُ بِلُطْفِ التَّدْبِيرِ وَالْعِنَايَةِ بِهِ وَبِأَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ بِجَمْعِ شَمْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ نَزْغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمْ. وَعَدَّ بَعْضُهُمْ مِنْ لُطْفِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ لُقْمَانَ حِكَايَةً عَنْهُ (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِي بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لِطَيْفٌ خَبِيرٌ) ٣١: ١٦ وَالْأَظْهَرُ فِي مَعْنَاهُ هُنَا أَنَّهُ اللَّطِيفُ بِاسْتِخْرَاجِهَا مِنْ كِنِّ خَفَائِهَا الْخَبِيرُ بِمَكَانِهَا مِنْهُ، وَنَزِيدُ عَلَيْهِمْ أَنَّ مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى جَعَلَ أَحْكَامَ دِينِهِ يُسْرًا لَا حَرَجَ فِيهَا وَهِيَ مِنْ صِفَةِ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مَظْهَرٌ لِعِلْمِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، فِي آخِرِ مَا خَاطَبَ بِهِ نِسَاءَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالْحِكَمِ وَالْأَحْكَامِ: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) ٣٣: ٣٤ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الشَّاهِدُ عَلَى لُطْفِهِ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ، الْمُنَاسِبُ فِي الْكَمَالِ لِلُطْفِهِ فِي صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَهُوَ الْآيَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا لَا يَظْهَرُ فِيهَا غَيْرُهُ.
وَالْمُتَكَلِّمُونَ يَأْبَوْنَ جَعْلَ اللَّطِيفِ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ لَهُ سُبْحَانَهُ - كَالرَّحِيمِ وَالْحَلِيمِ - وَالْأَثَرِيُّونَ وَالصُّوفِيَّةُ لَا يَأْبَوْنَ مِثْلَ ذَلِكَ بَلْ يُثْبِتُونَهُ، وَقَدْ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْآيَةِ كَلِمَةً تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ تَأْيِيدًا لِمَذَاهِبِ أَهْلِ الْأَثَرِ وَالصُّوفِيَّةِ وَهُوَ مُعْتَزِلِيُّ مُبَالِغٌ فِي التَّنْزِيهِ، وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا الْمُفَسِّرُونَ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَغَيْرِهِمْ كَالرَّازِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَأَبِي السُّعُودِ وَالْآلُوسِيِّ قَالَ: وَهُوَ لَطِيفٌ يَلْطُفُ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ، الْخَبِيرُ بِكُلِّ لَطِيفٍ فَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ لَا تَلْطُفُ عَنْ إِدْرَاكِهِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ اللَّفِّ انْتَهَى. نَقَلُوا هَذَا الْمَعْنَى عَنْهُ وَجَعَلُوا اللَّطِيفَ مُسْتَعَارًا مِنْ مُقَابِلِ الْكَثِيفِ لِمَا لَا يُدْرَكُ بِالْحَاسَّةِ وَلَا يَنْطَبِعُ فِيهَا.
قَالَ الْآلُوسِيُّ: وَيُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْبَهَائِيِّ - كَمَا قَالَ الشِّهَابُ - أَنَّهُ لَا اسْتِعَارَةَ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى الْحُسْنَى: اللَّطِيفُ الَّذِي يُعَامِلُ عِبَادَهُ
بِاللُّطْفِ، وَأَلْطَافُهُ جَلَّ شَأْنُهُ لَا تَتَنَاهَى ظَوَاهِرُهَا وَبَوَاطِنُهَا فِي الْأُولَى وَالْأُخْرَى (وَإِنْ تَعُدُّوَا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا) ١٤: ٣٤ وَقِيلَ: اللَّطِيفُ الْعَلِيمُ بِالْغَوَامِضِ وَالدَّقَائِقِ، مِنَ الْمَعَانِي وَالْحَقَائِقِ ; وَلِذَا يُقَالُ لِلْحَاذِقِ فِي صَنْعَتِهِ لِطَيْفٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّطَافَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْكَثَافَةِ. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ الِاسْتِعْمَالِ مِنْ أَوْصَافِ الْجِسْمِ، لَكِنَّ اللَّطَافَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تُوجَدُ فِي الْجِسْمِ لِأَنَّ الْجِسْمِيَّةَ يَلْزَمُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute