للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَيْهِ اسْمُ اللهِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ تُرِكَ ذَلِكَ الذِّكْرُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: إِنْ تُرِكَ الذِّكْرُ عَمْدًا حُرِّمَ، وَإِنْ تُرِكَ نِسْيَانًا حَلَّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: يَحِلُّ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً إِذَا كَانَ الذَّابِحُ أَهْلًا لِلذَّبْحِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: (إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ) (٥: ٣) فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ.

" قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: هَذَا النَّهْيُ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا ذُبِحَ عَلَى اسْمِ النُّصُبِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ (أَحَدُهُا) قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُفَسَّقُ آكِلُ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي تَرَكَ التَّسْمِيَةَ. (وَثَانَيِهَا) قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) وَهَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ إِنَّمَا كَانَتْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَيْتَةِ. رُوِيَ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: مَا يَقْتُلُهُ الصَّقْرُ وَالْكَلْبُ تَأْكُلُونَهُ وَمَا يَقْتُلُهُ اللهُ فَلَا تَأْكُلُونَهُ؟ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: تَأْكُلُونَ مَا تَقْتُلُونَهُ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا يَقْتُلُهُ اللهُ. فَهَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ مَخْصُوصَةٌ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ، (وَثَالِثُهَا) قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، يَعْنِي لَوْ رَضِيتُمْ بِهَذِهِ الذَّبِيحَةِ الَّتِي ذُبِحَتْ عَلَى اسْمِ إِلَاهِيَّةِ الْأَوْثَانِ فَقَدْ رَضِيتُمْ بِإِلَاهِيَّتِهَا وَذَلِكَ يُوجِبُ الشِّرْكَ.

" قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ عَامًّا بِحَسَبِ هَذِهِ الصِّيغَةِ إِلَّا أَنَّ آخِرَهَا لَمَّا حَصَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْقُيُودُ الثَّلَاثَةُ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ هُوَ هَذَا الْخُصُوصُ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) فَقَدْ صَارَ هَذَا النَّهْيُ مَخْصُوصًا بِمَا إِذَا كَانَ هَذَا الْأَكْلُ فِسْقًا، ثُمَّ طَلَبْنَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ مَتَى يَصِيرُ فِسْقًا، فَرَأَيْنَا هَذَا الْفِسْقَ مُفَسَّرًا فِي آيَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) فَصَارَ الْفِسْقُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُفَسَّرًا بِمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ قَوْلُهُ: (وَلَا

تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) مَخْصُوصًا بِمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ اهـ.

وَقَدْ سَبَقَ الْبَحْثُ فِيمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ وَفِي الذَّبَائِحِ وَالتَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْمَائِدَةِ فَتُرَاجَعْ فِي الْجُزْءِ السَّادِسِ مِنَ التَّفْسِيرِ [ص١١٣، ١٤٥ وَمَا بَعْدَهُمَا ط الْهَيْئَةِ] .

وَقَدْ عَدَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِمَّا يُذْبَحُ لِغَيْرِ اللهِ وَيَتَنَاوَلُهُ التَّحْرِيمُ مَا ذُبِحَ عِنْدَ قُدُومِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ كُبَرَاءِ الدُّنْيَا تَكْرِيمًا لَهُ إِذَا ذُكِرَ اسْمُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَبْحِهِ. وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ كُلَّ مَا يُذْبَحُ بِبَاعِثٍ دَيْنِيٍّ فَهُوَ عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُذْكَرُ غَيْرُ اسْمِهِ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ لِأَجْلِ التَّكْرِيمِ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الضِّيَافَةِ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَا يَذْكُرْ

<<  <  ج: ص:  >  >>